سؤال حول العهد القديم

جاءني هذا السؤال من فتاة شابّة، تتحسّس خطواتها الأولى في التعرُّف على المسيحيّة..

سلام يا أبي..

في سِفر أعمال الرسل لَفَتَني استخدام التلاميذ لقصص من العهد القديم، رغم أنّه يحتوي على شرائع تَمّ نفيها في العهد الجديد.. سؤالي بسيط: هناك تعاليم في العهد القديم تم تعديلها في العهد الجديد في مختلف المجالات، فإذا كان هذا هو الحال هل الأخذ بشرائع وتعاليم العهد القديم يُعتبَر خطأ؟ أقصِد طالَما وُجِدَ ما هو مُعَدَّل فلماذا أتبع القديم؟ لقد شعرتُ كأنّ العهد القديم يحتوي على تعاليم يُحَبَّذ معرفتها فقط وليس الأخذ بها..!! أحتاج منك يا أبي توضيحًا لهذه النقطة.

-----------------

سلام المسيح يكون معكِ يا..................

بخصوص سؤالك حول أسفار العهد القديم.. هناك عدّة نقاط هامّة:

1- العهد الجديد لم ينفِ أو يلغِ الأساسيّات التي وُضِعَت في العهد القديم وأقصد بها العدالة والقداسة والرحمة والمحبّة.. وهذا ما أكّده السيّد المسيح عندما قال: "لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ." (مت5: 17).

2- جاءت في أسفار العهد القديم نبوءات وإشارات ورموز كثيرة للسيّد المسيح وعمله الخلاصي.. وقد شرح السيّد المسيح بعضها للرسل بعد القيامة وحدّثهم عن الأمور المختصّة به من موسى والأنبياء والمزامير وفتح ذهنهم ليفهموا الكُتُب (لوقا 24).. ولذلك كان عمل الرسل -كما أوصاهم الرب يسوع- هو القراءة والبحث والدراسة في العهد القديم لاكتشاف المسيح الموجود فيه، ثم الكرازة بتحقيق هذه النبوّات، والتي كانت بمثابة تهيئة من الله للبشريّة قبل مجيء المخلِّص الإلهي..

3- السيّد المسيح مخبوء في العهد القديم ومُعلَن في العهد الجديد.. ولذلك لكي نعرف جيّدًا مَن هو المسيح في العهد الجديد من المهمّ أن ندرس العهد القديم كأساس وخلفية للفهم.

4- العهد القديم يخبرنا عن علاقة الله بالبشرية وتطوّرها.. وكيف أعدّ الله لنا خطّة الخلاص بعد سقوطنا.. وهذا تاريخ أساسي نبني عليه معرفتنا بالمخلّص الذي جاءنا في العهد الجديد، وأظهَرَ حبّه لنا في أعظم صورة على الصليب، لكي يتمّم لنا الفداء بدمه..

5- الشرائع الناموسيّة كانت موضوعة لتأديب البشريّة حتّى يأتي ربّ الشريعة ويرفعنا من مستوى الحرف لمستوى الروح، فالناموس كان مؤدِّبنا للمسيح كما قال القديس بولس الرسول، والآن نحن خليقة جديدة في المسيح ولا نحتاج للناموس. وقد جاءت في سفر إرميا (إر31:31) نبوءة شديدة الوضوح عن وضع البشريّة في العهد الجديد، وكرّرها القديس بولس الرسول في رسالته للعبرانيين: "هُوَذَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، حِينَ أُكَمِّلُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَيْتِ يَهُوذَا عَهْدًا جَدِيدًا. لاَ كَالْعَهْدِ الَّذِي عَمِلْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ يَوْمَ أَمْسَكْتُ بِيَدِهِمْ لأُخْرِجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَثْبُتُوا فِي عَهْدِي، وَأَنَا أَهْمَلْتُهُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. لأَنَّ هذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَعْهَدُهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ: أَجْعَلُ نَوَامِيسِي فِي أَذْهَانِهِمْ، وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا. وَلاَ يُعَلِّمُونَ كُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ قَائِلاً: اعْرِفِ الرَّبَّ، لأَنَّ الْجَمِيعَ سَيَعْرِفُونَنِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ. لأَنِّي أَكُونُ صَفُوحًا عَنْ آثَامِهِمْ، وَلاَ أَذْكُرُ خَطَايَاهُمْ وَتَعَدِّيَاتِهِمْ فِي مَا بَعْدُ" (عب8: 8-12).

6- جاء السيّد المسيح ليعلّمنا التركيز على جوهر الوصيّة وهو الحُبّ والعدل والإيمان والقداسة، وليس مجرّد الشكل الخارجي والتنفيذ الحرفي للوصيّة.. وقد شرح ذلك مرارًا وفي مناسبات عديدة.

7- العهد القديم هو جِذر شجرة الإيمان بالمسيح.. ولذلك لا إيمان بالمسيح المخلّص بدون فهم جيّد لأسفار العهد القديم التي تكلّم فيها أناس الله مَسوقين من الروح القدس (2بط1: 21).

الرب يباركك يا....... وينير ذِهنك بنور معرفته.