تأمّلات في قراءات أيّام الصوم المقدّس (9)

حول إنجيل الأحد السادس: في البصيرة الروحية

نحن نعلم أنّ ابن الله قد جاء وأعطانا بصيره لنعرف الحق (1يو5: 20).

هكذا كتب لنا القدّيس يوحنا ليوضِّح لنا ما أعطانا المسيح؛ أي البصيرة.. ويكشف لنا سِرّ معرفة الحقّ. أي أنّه بدون هذه البصيرة يستحيل على الإنسان التَعَرُّف على الحقّ، أو إدراكه أو الاشتراك فيه.

الحَقّ هو المسيح له المجد.. أنا هو الحقّ (يو14: 6).

ونَذكُر كيف تَعَسَّر على بيلاطس البنطي أن يَعرِف المسيح، وهو الواقف أمامه ويتكلّم معه، ويقول أتيتُ لأشهَدَ للحقّ.. فيجاوبه بيلاطس كَمَن هو عادم البصيرة ويقول: ما هو الحقّ؟

إذًا، النعمة التي أعطانا المسيح إيّاها هي البصيرة. وهي بذاتها خِلقة العين الجديدة الداخليّة. وهي الاستنارة الروحيّة، وهي ما نلناه في المعموديّة في تجديد خلقتنا، حين وُلِدنا ثانيةً؛ وهذه بدونها لا يستطيع أحد أن يعرف الحقّ.

نعود إلى حديث الربّ مع نيقوديموس؛ كيف قال له المسيح: إن كان أحد لا يولَد من الماء والروح لا يقدر أن يدخُل ملكوت الله. وقَبْلَها قال له: إن كان أحد لا يولَد مِن فوق لا يقدر أن يَرى ملكوت الله (يو3: 3-5).

أي لا يَقدِر أحد أن يَرى، ولا يَقدِر أن يَدخُل!

لأنّه إن كان أحدٌ ليس له عَين، كيف يَقدِر أن يَرَى؟!

وإن كان أحد لم يولَد، كيف يقدر أن يَدخُل؟!

لذلك كلّ مَن تَحَصَّل على هذه النعمة (البصيرة)، يَستطيع بها أن يَرى، وأن يَدخُل، وأن يَنعَم، وأن يتنَعَّم.

لأنّ في الحقيقة أمور الله لا يعرفها إلاّ روح الله (1كو2: 11).

فإن كان لنا شركة في الروح بالنعمة، فيَتَسَنَّى لنا أن نتقبّل الإنعامات الإلهيّة، وما يُفاض علينا مِن فوق، وما يُنعِم به الربّ بسخاء علينا.

+ بدون هذه البصيرة، يكون الإنسان كأعمَى لا يَعرِف أين يَذهَب!

+ أعمي قصير البصر (2بط1: 9)، لأنّ البغضة أعمَتْ عينيه (1يو2: 11)!

إذن البُغضَة في القلب التي هي ضدّ المحبّة، هي بالحقيقة ظُلمة تََغشَى القلب، وتُطفِئ نور العين الداخليّة، وتُصيب البَصَرَ بالعَمَى.

القمص لوقا سيداروس