مخافة الله

+ حينما كان "يعقوب" هاربًا من وجه "عيسو" أخيه، وذاهبًا لخاله "لابان".. حدث اللقاء الأول بينه وبين الله (تك28)؛ عندما ظهر له في رؤيا الليل فوق سلّم هائل ممتدّ من السماء إلى الأرض، وتكلّم معه الله وطمأنه، ووعده بالرعاية والنجاح. وعندما استيقظ "يعقوب" في الصباح خاف وقال "حقًا إن الرب في هذا المكان وأنا لم أعلم.. ما أرهب هذا المكان.. ما هذا إلاّ بيت الله وهذا باب السماء" ودعا الموضع "بيت إيل" ومعناه: "بيت الله".

+ ظلَّت هذه الحادثة محفورة في ذهن "يعقوب" طوال عمره، فقد زَرَعَتْ فيه الإيمان بأن الله حاضر في كلّ مكان، ويجب أن يمتلئ القلب من مخافته. ولأن "يوسف" كان الابن المحبوب ليعقوب فقد سلَّمه هذه الحقيقة الإيمانية؛ أنّ الله حاضر معنا في أيّ ظروف، وفي كلّ مكان..

+ هذا الإيمان لمس قلب يوسف وثَبّت مخافة الله في حياته، وهو الذي سافر معه إلى مصر، وحفظه من السقوط في الخطية مع زوجة فوطيفار.. عندما ظَنّتْ هي أنّها منفردة معه.. ولكنّه لفت نظرها أنّ الله حاضر معهما. وعندما ألحّت إليه، صرخ في وجهها: كيف أصنع هذا الشرّ العظيم وأخطئ إلى الله..؟!!

+ الإحساس بحضور الله يولِّد في القلب مخافةً؛ تحفظ الإنسان من الخطيّة وآثارها المدمرة. ولهذا يتوسّل المرتّل إلى الله ويقول: "سمِّر خوفك في لحمي" (مز119: 120)، وكذلك نصلِّي كلّنا يوميًا في صلاة الشكر أن يكمِّل لنا الله كلّ أيام حياتنا بكل سلام مع مخافته.. وفي صلاة التحليل التي يصلِّيها الأب الكاهن على رأس المُعترِف، وعلى كلّ الشعب في ختام الصلوات الليتورجيّة، يقول متوسِّلاً إلى الله: "رُدّنا إلى خوفِك..." أي يترجّى الله أن يعود إلى قلوبنا الإحساس بحضرة الله ومخافته، لأن هذا الإحساس يحفظ الحرارة الروحيّة في القلب ويحرس النفس من الاستهتار والسقوط..!

+ نحن لا نخاف الله بمعنى أنّنا نرتعب منه، ولكنّنا نهابه كأب وسيِّد يليق به المهابة والكرامة. كما أنّنا نخاف الله لأنّه الديّان العادل، فنخاف من السقوط في الخطيّة والاستهانة بيوم الدينونة، لأنّه "مخيفٌ هو الوقوع في يديّ الله الحيّ" (عب10: 31).

+ نحن نخاف الله أيضًا بمعنى أنّنا نخاف على مشاعره الرقيقة وقلبه المُحِبّ، فلا نريد أن نجرحه بخطايانا.. نخاف أن نحزنه لأنّه يحبّنا، ونحن أيضًا نحبّه، ونشتاق أن نظلّ ثابتين في محبته.

+ قال القديس باخوميوس: مخافة الله تطرد كلّ رذيلة من الإنسان، وتجعله أهلاً للكرامة، فيَصلُُح لعمل الله فيه وبه.

+ قال القديس موسى الأسود: ذِكر يوم الدينونة يوَلِّد مخافة الله في الفِكر. أما قِلّة خوف الله فإنّها تُضِلّ العقل. وقال أيضًا: مَن تعوَّد الكلام في الكنيسة، فقد دَلّ بذلك على عدم وجود خوف الله لديه.

+ قال أنبا يعقوب: مثل المصباح الذي ينير البيت المظلم، كذلك خوف الله إذا دخل في قلب إنسان، فإنّه يضيئه ويعلِّمه جميع الوصايا.

+ سأل أخٌ شيخًا قائلاً: كيف يأتي خوف الله إلى النفس؟ فردّ الشيخ: "إذا وُجِدَ في الإنسان الاتضاع وإنكار الذات، وعدم دينونة أحد... فخوف الله يأتيه".

+ سأل أخٌ أنبا بيمن: ماذا أصنع لأن نفسي قاسية، ولا تخاف الله؟! فردّ أنبا بيمن: "اذهب واجلس مع إنسان يخاف الله، وهو يُعَلِّمك مخافة الله"..!