تأملات وتفاسير إنجيليّة (3)

نتابع بنعمة المسيح عرض المجموعة الثالثة من التعليقات والتأملات الجميلة للقدّيس إيسيذوروس الفرمي، والتي كتبها في رسائله، توضيحًا وإجابةً لأسئلة واستفسارات حول معاني في الكتاب المقدّس.
11- (إر1: 11): قضيب اللوز الذي رآه إرميا، هذا النبي الذي خاطَرَ أكثر من كلّ الأنبياء، هو رمز الكهنوت. لأنّ عناصره الخارجيّة الواضحة للجميع.. هي مثل العصا؛ صارمة وصعبة في شدّتها وشاقّة، لكن عناصرها الخفيّة والداخليّة هي مثل العصا ثابتة وجديرة بالثقة، ولديها قوّة للتدعيم. إذن، يجب أن يتحمّل المرء ببسالة أتعاب الكهنوت، وأن ينتظر بتأهُّب مكافآته. (الرسالة 50).
12- (مت26: 21-25): لم يتراجع يهوذا عن الخيانة؛ ليس لأنّ الربّ تنبَّأ عن تَوَجُّهِهِ الداخلي، وانعقاد نيّته على الخيانة، لكن لأنّ المملوء شرًّا كان يرعى داخله المكيدة، والربّ رأى الحركات الخفيّة لقلبه، لِذا تنبّأ وقال تلك الأمور التي سوف تصير كأنّها تحدُث أمامه. وبالرغم من ذلك لم يتراجع. (الرسالة 56).
13- (مت5: 1): من المفيد جدًّا لأجل الخلاص، الرحيل عن ضوضاء المدينة. لذلك فإنّ ابن الله حين ترك المدن صعد إلى قمّة الجبل، لكي يُطَوِّب الذين يحيون بنقاوةٍ روحيّة، مُظهِرًا بتعليمه العملي أنّه من غير الممكن لهذا الذي لم ينقطع بدافع المحبّة عن الأمور الوضيعة والتافهة، ولم يصعد إلى قمّة الفضيلة، أن يُطَوَّب من الله، أو أن يكسب الخيرات العتيدة؛ لأنّ الذي يُحَدِّق بفكره تجاه السماء، هناك يسكُن؛ حيث يوجَد المسيح ويجلس عن يمين الله (كو3: 1-2). (الرسالة 77).
14- (مر11: 13-14): يجب ألاّ تعتقد -أنت الذي لم تشبع بعد من الأمور الإلهيّة- أنّ الربّ لَعَنَ التينة بلا سبب، بل صنع هذا لكي يُظهِر لليهود الجاحدين أنّ لديه قوّة قادرة لعقابهم.. لأنّ في كلّ معجزاته لم يروا شيئًا شرّيرًا يسبّبه لأحد، فاعتقدوا أنّه يمكن فقط أن يُحسِن، وأنّ ليس لديه قوّة لمعاقبة الأشرار.. مع هذا الشرح، يوجَد أيضًا تفسير سِرّي وَصَلَ إلينا من الشيوخ الحكماء. أقصد انّ التينة [ربّما] هي شجرة المخالَفة، لأنّ المخالِفين استخدموا أوراقها لكي يتغطّوا بها. إذن، مِن محبّة الربّ للبشر لَعَنَهَا حتّى لا تُثمِر مرّة أخرى، الثمرة التي سوف تصير سببًا للخطيّة. (الرسالة 51).
15- "الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَقْدِرُ الابْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا إِلاَّ مَا يَنْظُرُ الآبَ يَعْمَلُ. لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهذَا يَعْمَلُهُ الابْنُ كَذلِكَ" (يو5: 19): إنّ هذا القول لا يُعلِن الضعف، بل يمنع احتماليّة أن تُعتَبَر إرادة الآب غير إرادة الابن. فلو كان الابن يرى كلّ ما يصنعه الآب، والآب يصنع الكلّ بعد الفكر، إذن فالابن يرى أيضًا أفكار الآب، لأنّ فِعل الآب الخلّاق يتطابق مع إرادته. وإذا كان الابن يرى الآب الذي يفكّر ويشارك معه في إرادته، إذن فهو يشارك أيضًا في طبيعته. إذن جوهر الآب والابن واحد، مثل الإرادة أيضًا. (الرسالة 353).
[عن كتاب: رسائل القدّيس إيسيذوروس الفرمي (المجلّد الأوّل) – ترجمة المتنيّح الدكتور جورج عوض إبراهيم – إصدار المركز الأُرثوذكسي للدراسات الآبائيّة بالقاهرة]
(يُتَّبَع)