الاتحاد بالمسيح ضرورة وأساس لإيماننا

كنيستنا المقدّسة تُسَمِّي عيد البشارة بِكرَ الأعياد، إذ فيه بداية لحظة التجسُّد الإلهي، باتّحاد الطبيعة الإلهيّة مع الطبيعة البشريّة في بطن السيّدة العذراء مريم والدة الإله.

وهذا الاتحاد الذي تمّ في شخص ربّنا يسوع المسيح كلمة الله الأزلي، باتّخاذه جسدًا مُماثِلا لنا، كان هو طريقنا للاتّحاد بالله، والذي بدونه لا تكون هناك حياة ولا خلاص للبشريّة.

القدّيس أثناسيوس الرسولي في تعاليمه، وهو يؤكِّد ألوهيّة المسيح الكاملة، يتعرّض بالتفصيل لموضوع اتّحادنا بالله، ويشرح أهمّيته وضروريّته لخلاصنا.. ويتمسّك بأنّ الابن لو لم يكُن إلهًا حقيقيًّا ما كان قادرًا أن يُصالِحنا مع الآب، ولا يؤلِّهنا (أي يجعلنا نتّحد بالله)، ولا يستطيع بالتالي أن يُدخِلنا إلى الملكوت..

يسعدني في هذا المقال أن أقتطِف فقرتين من كلماته الذهبيّة التي تتحدّث عن هذا الموضوع الجوهري في إيماننا:

+ "إنّ الكلمة لا ينتمي إلى المخلوقات، بل بالحري هو نفسه خالقهم. ولذلك فقد لبس الجسد البشري المخلوق، لكي بعد أن يُجَدِّده كخالق، فإنّه يُؤَلِّه هذا الجسد في ذاته هو نفسه، وهكذا يُدخِلنا جميعًا إلى ملكوت السموات على مثال صورته.

لأنّه ما كان للإنسان أن يتأَلَّه لو أنّه اتّحَدَ بمخلوق، أو لو أنّ الابنَ لم يكُن إلَهًا حقيقيًّا.

وما كان للإنسان أن يقف في حضرة الآب، لو لم يكُن الذي لبس الجسد هو بالطبيعة كلمته الحقيقيّ.

وكما أنّه لو لم يكن الجسد الذي لبسه الكلمةُ جسدًا بشريًّا، لما كُنّا قد تَحَرَّرنا مِن الخطيئة واللعنة، حيث إنّه في هذه الحالة لا يكون هناك شيءٌ مشتركٌ بيننا، هكذا لم يَكُن للإنسان أن يُؤَلَّه لو لم يكن الكلمة هو ابن طبيعي حقيقي وذاتي مِن الآب.

لهذا إذن صار الاتّحاد هكذا: أن يتّحد ما هو بَشَريٌّ بالطبيعة [الإنسان] بهذا الذي له طبيعة الألوهَة [الكلمة المتجسِّد]، و[بالتالي] يَصير خلاصُ الإنسانِ وتأليهُهُ مؤكَّدًا".

ق. أثناسيوس – ضدّ الأريوسيّين – المقالة الثانية – فقرة 70.

+ "مِن حيث كونه كلمةً حَقًّا فلا يوجد هناك مَنْ يماثِلونه حتّى يمكن أن يتّحدوا معه، وذلك لأنّه المولود الوحيد.

ولكنّه بصيرورَتِهِ إنسانًا فقد صار له مماثِلون، وهم الذين ارتَدَى جسدَهم المُمَاثِل لجسده. وتبعًا لذلك فإنّه «تأسَّسَ» [أي صار أساسًا] بحسب بشرِيّتِهِ لكي يمكننا نحن أيضًا أن نُبنَى فوقه كحجارة كريمة، ونَصير هيكلاً للروح القدس الساكن فينا.

وكما إنّه هو أساسٌ حَقًّا، فنكون نحن الحجارة التي تُبنَى عليه.

وأيضًا يكون هو الكَرمَة ونصير نحن أغصانه، ليس بحسب جوهر اللاهوت -لأنّ هذا مستحيل حَقًّا- بل بحسب بشريّته، لأنّ الأغصان يَلزَم أن تكون مُشابِهة للكرمة، حيث إنّنا نحن مشابِهون له بحسب الجسد."

ق. أثناسيوس – ضدّ الأريوسيّين – المقالة الثانية – فقرة 74.

من هنا نفهم قيمة غرسنا في جسد المسيح بالمعموديّة، لكي نصير واحدًا معه. وأيضًا قيمة تناولنا باستمرار من الأسرار المقدّسة، لكي نثبت فيه وهو فينا، ونصير معه واحدًا إلى الأبد.

كلّ عام وحضراتكم في ملء النعمة والفرح بالمسيح،،