مَجدُهم في خِزيِهم..!

    يحدّثنا معلّمنا القديس بولس الرسول في رسالة فيلبّي، عن بعض الذين ارتدُّوا عن الإيمان، بعد أن كان مشهودًا لهم بالنشاط الروحي، فيقول عنهم: "وَالآنَ أَذْكُرُهُمْ أَيْضًا بَاكِيًا، وَهُمْ أَعْدَاءُ صَلِيبِ الْمَسِيحِ، الَّذِينَ نِهَايَتُهُمُ الْهَلاَكُ، الَّذِينَ إِلهُهُمْ بَطْنُهُمْ وَمَجْدُهُمْ فِي خِزْيِهِمِ، الَّذِينَ يَفْتَكِرُونَ فِي الأَرْضِيَّاتِ" (في3: 18-19).

    معروفٌ أنّ تعبير "إلههم بطنهم" يُعني أنّ شهواتهم المتعدّدة تتحكّم فيهم وتستعبدهم.. ولكنّني تعجّبت كثيرًا من تعبير "مجدهم في خِزيهم" فكيف يكون مجد الإنسان في أمور مُخزِية؟!

    الإنسان السوي يخجل من افتضاح أخطائه، ويسعى في هدوء للتخلُّص منها، وقد صَدَقَ الكتاب المقدّس عندما قال: "عار الشعوب الخطيّة" (أم14: 34).. فكيف يمكن أن يتباهى البعض بأخطائهم وفضائحهم، ويفتخرون بها على الملأ وكأنّها إكليل مجدٍ يتزيّنون به؟!!

    لاشكّ أن هذا وضعٌ غير سوي، ويكشف عن تشوُّه داخلي أحدثته الخطيّة في الشخصيّة!

    فعندما يسمح الإنسان للخطيّة بالتواجُد في حياته، فإنّها لا تكتفي فقط بهذا التواجُد، بل تسعى بكلّ قوّة لكي تتملّك وتُثَبِّت وجودها، حتّى تتمكَّن من تدمير حياته بالكامل..

    يبدو لي أيضًا أنّ الافتخار بالخطيّة وبالأمور المُخزية، هو أحد الحِيَل الدفاعيّة التي تستخدمها الخطيّة لتحصين وجودها داخل الإنسان، من أجل إجهاض أيّ حركة توبة يمكن أن تنمو في القلب..

    هناك نماذج عمليّة كثيرة في عصرنا الحاضر، تُجَسِّد معنى "مجدهم في خِزيهم"، مثل:

   + الذين يكتبون قصصًا ورواياتٍ مملوءة بالإيحاءات الجنسيّة المُبتذلة، ويعتبرون هذا فنًّا وإبداعًا، ويفتخرون بإنتاجهم النجس، معتبرين إيّاه مجدًا عظيمًا.. وغير مبالين بعثرة القارئ!

   + الذين يرتدون الملابس الفاضحة، ويعتبرون هذا أعلى درجات الأناقة والجاذبيّة.. مع أنّ الملابس المحتشمة لا تقلّل من قيمة الإنسان أو أناقته، بل بالعكس تعطيه كرامةً وجمالاً!

   + الذين يتعاطون المخدّرات بافتخارٍ، أو يتحدّثون عن أنفسهم كأبطالٍ لأنّهم يشربون عِدّة زجاجات من الخمر دون أن يسكروا!

   + الذين يُفاخِرون بالحديث عن علاقاتهم الغراميّة غير الطاهرة مع الجنس الآخَر.. متباهين بجاذبيّتهم وقدرتهم على الإيقاع بالآخرين!

   + الذين يجاهرون بالإلحاد والتطاوُل على الله، والسخرية من المؤمنين.. بدلاً من التماس معرفة الحقّ باتضاع القلب!

   + الذين يَفخَرون بأعمال العُنف والبلطجة ومخالفة القانون، بل ويتباهون بكسر القوانين.. عِوَضًا عن الالتزام بالنظام العام، واحترام القانون، والسلوك المهذَّب..

   + الذين يتباهون بإدانة آباء الكنيسة وإظهار نقائصهم والسخرية منهم، والتعريض بهم على صفحات التواصُل الاجتماعي.. دون أن ينتبهوا لنزع الخشبة من أعينهم أولاً (مت7: 1-5)..

   + الذين يفتخرون بترديد الأغاني الخليعة.. أو ينشرون الصور العارية على صفحاتهم، دون حياء!

   + الذين يُدمِنون الكذب وخداع الآخَرين، ويفتخرون بمكاسِبهم المادّيّة المؤقّتة في التجارة والمعاملات المبنيّة على الخداع، ويسخرون من الذين وقعوا في فخ أكاذيبهم!

    هؤلاء وآخرون.. يعلّمنا القديس بولس الرسول أن نذكرهم باكين في صلواتنا.. "عَسَى أَنْ يُعْطِيَهُمُ اللهُ تَوْبَةً لِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ، فَيَسْتَفِيقُوا مِنْ فَخِّ إِبْلِيسَ إِذْ قَدِ اقْتَنَصَهُمْ لإِرَادَتِهِ" (2تي2: 25-26).

    أمّا نحن فإنّ مجدنا وفخرنا هو في:

   + محبّة الله لنا -نحن الضعفاء الخُطاة- وبذله لنفسه على الصليب لأجل خلاصنا، وهذا يشجِّعنا على صلب الجسد مع الأهواء والشهوات من أجل المسيح (غل5: 24)، والاعتزاز بحمل الصليب وراءه، والالتزام بكلّ وصاياه، حتى لو تعرّضنا للإهانة من العالم.

   + الاشتراك مع الله في العمل، ودعوة الجميع للتمتّع بأبوّته ومحبّته وخلاصه.

   + تقديس مواهبنا وطاقاتنا لتمجيد الله محبّ البشر، فنحن نحبّه لأنّه هو أحبّنا أوّلاً (1يو4: 19).

   + الشهادة للحقّ، بكلّ محبّة وقوّة، مهما كان عنف التيّارات المضادة للحقّ.

   + احتمال كلّ أنواع الآلام والضيقات لأجل اسم المسيح بشكر؛ لإنّنا إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ، فبالتأكيد سوف نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ (رو8: 17).