من كنوز أبينا القمص لوقا سيداروس - أخي وأختي وأمّي

    + منذ أيّامٍ قليلة، احتفلت الكنيسة بالعذراء القدّيسة الطاهرة مريم أمّ الله، التي ارتفعت أكثر من الشاروبيم، وصارت مسكنًا لله وعرشًا للقدير. اتّحدَتْ به كجنين في بطنها، وحملته على ذراعيها، وغَدَتْ كلُّ الأجيال تطوِّبها وترفعها باستحقاق. وحقًّا تقف النفس عاجزة تمامًا عن التعرُّف على أسرار العذراء، التي قيل عنها أنّها "جنّة مُغلَقة، عين مُقفَلة، ينبوع مختوم" (نش4: 12).

    + العذراء القدّيسة فريدة في مجدها؛ لأنّ ما نالته من الله لا ولم ولن يحصل عليه أقدس القدّيسين. لأنّ التجسُّد حدثٌ فريد لا يتكرّر. والخلاص وعمل الفداء بالجسد الذي أخذه الربّ من العذراء، صنعه الربّ مرّة واحدة؛ إذ قدّم نفسه مرّة واحدة ذبيحة عن حياة العالم كلّه.

    + إن كان هذا هو مركز العذراء، وكرامتها، وعلاقتها بالمسيح ابنها وحبيبها، ماذا يكون يا تُرَى مركزنا نحن عنده، وصِلتنا به؟

    + المسيح رفض أن تُكَرَّم أمّه من أجل أمومتها له فحَسْب، بل من أجل حفظِها لوصاياه، وسلوكها في حياة القداسة إلى أقصى درجة عرفها إنسان. لذلك نجده يقول: "مَن أمّي ومَن إخوتي؟ الذي يصنع مشيئة الله هو أخي وأختي وأمّي".

    + وحين صرخَت امرأة تطوِّب العذراء القدّيسة، دون أن تعرفها، على أساس أنّها ولدَت المسيح الذي كانت تسمع تعاليمه وأقوال النعمة من فمه، فصرخَت لوقتها: "طوبى للبطن الذي حملك والثديين اللذين رضعتهما". أجاب الربّ قائلاً: "بل (بالأكثر) طوبي للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه" (لو11: 27). فالعذراء تُطَوَّب ليس فقط لأنّها ولدَت المسيح، واختارها الربّ لتتميم عمل التجسُّد، بل وأيضًا من أجل سماعها كلامه، وحفظها وصاياه.

    + الربّ يسوع نظر حوله إلى الجالسين، وقال: "ها أمّي وإخوتي". إذن يسوع ينظر إلينا ونحن حوله، ويُشير نحونا قائلاً: "ها أمّي وإخوتي". فنحن نستحقّ هذا الميراث الثمين ونتمتّع به، بشرط أن نكون جالسين حوله ونسمع كلامه، ونعمل مشيئته. في هذه الحالة نستحِق أن يدعونا إخوته، قائلاً: "أخبر باسمك إخوتي، وفي وسط الكنيسة أسبّحك" (عب2: 12).

    + نحن في الكنيسة صِرنا أعضاء جسد المسيح، من لحمه ومن عظامه (أف5: 30)، فيا لهذا الشَّرَف الذي صار لنا نحن الخُطاة، أن نُدعَى إخوته، وهو يقول لنا: "لا أعود أسمّيكم عبيدًا.. لكنّي قد سمّيتكم أحبّاء" (يو15:15).

    + مُطَوَّبة هي العذراء القدّيسة، لأنّها اتّحدَت بالمسيح، وصارت أمّه. ومغبوطة هي النفوس التي تجتمع حول المسيح في الكنيسة، فتسمع كلامه، ويُطعِمها جسده، فيثبُت فيها، وهي تثبت فيه.

    + مباركةٌ هي مريم العذراء، ومباركةٌ هي ثمرة بطنها.. ومغبوطة هي النفوس التي تشبّهَت بأم النور؛ فأخذَت جسد الكلمة في أحشائها، وأثمَرَت للروح القدس مجد وفرح وسلام وطهارة وطول أناة..

    + المسيح المبارك هو ابن الآب بالحقّ والمحبّة (2يو3)، الابن الوحيد الكائن في حضن الآب كلّ حين، بلا انفصال، في وحدانيّة أزليّة أبديّة. المسيح جاء ليُعَرِّفنا الآب، وهو عندما أخذ جسدنا من العذراء القدّيسة، اشترك في بشريّتنا ليُشرِكنا في بنوّته للآب. وولَدَنا ثانية لرجاء حيّ بقيامته (1بط1: 3)، وعلّمنا أن نصلّي قائلين: "أبانا الذي...". وسكب فينا روح البنوّة.. نحن بالنعمة أولاد الله.. مولودين من الروح القدس، ومن بطن الكنيسة، على شِبه ميلاد المسيح من الروح القدس والعذراء القدّيسة مريم.

    + فإن كُنّا ندعو الله أبانا.. فقد صار المسيح أخانا البكر (رو8: 29)، وصِرنا نحن شُرَكاء الدعوة السماويّة (عب3: 1)، وشركاء الطبيعة الإلهيّة (2بط1: 4)، وشركاء ميراث المسيح (رو8: 17)، مع جميع القدّيسين، وأهل بيت الله (أف2: 19).

    + إذن ليس باطلاً أن يقول الربّ عن المجتمعين حوله، يسمعون كلامه ويعملون مشيئته: "الذي يعمل مشيئة الله هو أخي وأختي وأمّي".. وإن كانت العذراء القدّيسة مُطوّبة، لا من أجل أمومتها فقط، بل من أجل حفظها وصاياه، فلا (ينبغي أن) نتّكل على بنوّتنا لله، وأنّنا إخوته، ونُهمِل توبتنا وحفظ وصاياه، لئلاّ نخيب من النعمة ونسقط من رتبتنا.

القمص لوقا سيداروس

[مقتطفات عن كتاب تأمّلات في قراءات آحاد السنة القبطيّة – الأحد الثالث من مسرى – الطبعة الأولى 1981م]

    هذا الكتاب الثمين نفذت طبعته الأولى، ولم يُطبع بعد ذلك. ولكن يَجرِي الآن بنعمة المسيح تجهيزه من أجل طباعته طبعة ثانية.

    بركة صلوات أبينا المتنيّح القمص لوقا سيداروس تكون معنا. آمين.