أشياءٌ صغيرةٌ تصنعُ فَرْقًا

    في مُعجزة إشباع الجموع، استخدَمَ اللهُ إمكانياتٍ بسيطةً كانت موجودة مع صبيّ صغير، وعندما وضع بركته في تلك الإمكانيّات الضعيفة، فقد جعلها قادرة أن تُشبِع وتُفَرِّح الآلاف، بل ويفيض منها الكثير أيضًا..!

    هكذا أيضًا، هناك أشياء صغيرة في حياتنا، أحيانا نستهين بها، ولكنّها تصنع فرقًا كبيرًا لو نالت مِنّا بعض الاهتمام، ووضعناها بين يديّ المسيح.. فهي مجرّد أمور بسيطة، ولكنّ أثرها يكون كبيرًا في تغيير الأمور..

    لنقف قليلاً أمام بعض المشاهد في حادثة إشباع الجموع من الخمس الخبزات والسمكتين.. فقد كان هناك:

   + طفل صغير لم يكُن أحدٌ يحسّ بأهميّته، ولكنّه كان سببًا في بركة كبيرة لآلاف من البشر، عندما تمّ التقاطه وتقديمه للمسيح..

   + كمّيّة قليلة من الأكل، لا تكفي لثلاثة أشخاص، حينما وُضِعَت في يدي الربّ يسوع، أشبَعَتْ الآلاف وفاض عنهم..

   + تنظيمات بسيطة أمر بها الربّ، ونفّذها التلاميذ بطاعة كاملة، فكانت النتيجة أنّ الكلّ تمتّعوا بالبركة الفيّاضة من الله على يديّ الرسل، وفي النهاية فرح الجميع وشبعوا تمامًا.

   + الكِسَر الصغيرة الباقية التي لا يتوقّع أحد أنّها تَنفَع بشيء، عندما اهتمّ الرسل بجمعها بحسب توجيه المسيح، صارت لهم طعامًا لأيّامٍ كثيرة..

    هكذا أيضًا، هناك أشياء صغيرة في حياتنا لو اهتممنا بها تكون سبب بركة كبيرة لنا، وإذا أهملناها تكون الخسارة أحيانًا فادحة أيضًا..!

* من الناحية السلبيّة:

    هناك خطايا تبدو صغيرة وتافِهة، ولكنّها في الحقيقة مُهلِكة؛ فهي تكون كالثعالب الصغيرة المُفسِدة للكروم المُثمرة (نش2: 15)؛ وكالثقب في المركب الذي يتسبَّب في غَرَقِهِ؛ وكنقطة الحِبر في كوب الماء، والتي تجعله غير صالح للشُّرب نهائيًّا.. قد تكون هذه الخطايا أمورًا لا نلتفت لها مثل: نظرة طمع، أو حِقد في القلب، أو بعض أفكار التعالي، أو إهمال تقديم العشور لله، أو كلمة تهكُّم، أو تجاهُل للفقراء..

    وأحيانًا تكون البركة منزوعة من حياتنا، لسبب خطايا نظنّها صغيرة..!

* من الناحية الإيجابيّة:

    هناك أمورٌ بسيطة عندما تُضاف لحياتنا ونهتمّ بها تصنع فرقًا كبيرًا.. فمثلاً:

   + الالتزام بوقفة الصلاة صباحًا قبل الخروج من البيت، تصنع فرقًا هائلاً في اليوم.. كما يقول القديس أوغسطينوس: "مَن يصلّي حسنًا يقضي يومه حسنًا".

   + رُبع ساعة كلّ يوم على الأقل مع الإنجيل، للقراءة والتأمّل وتجديد الذّهن، تجعلنا نسمع صوت الله ونتلامس مع محبّته، وتصنع فرقًا كبيرًا في حياتنا على المدى القريب والبعيد..

   + سماع عظة يوميًّا، أو مجرّد تأمُّل بسيط، يصنع فرقًا..

   + قراءة "كلمة منفعة" واحدة كلّ يوم، تبني حياتنا يومًا فيومًا..

   + التدقيق في انتقاء الألفاظ في الكلام والردود.. تقديم كلمة حُبّ.. كلمة تقدير واحترام.. كلمة تشجيع.. كلمة سلام.. كلمة ترحيب بابتسامة.. كلّ هذا يصنع فرقًا ملموسًا..

   + عمل صغير مفيد.. أو تعب بسيط في الكنيسة.. أو خدمة في الخفاء لشخصٍ في احتياج.. أو زيارة قصيرة لمريض.. هذه الأمور تصنع فرقًا، وتُنَمِّي في الإنسان روح العطاء، وتحرّك محبة الله في القلب، وتُشيع روح المودّة وسط الكنيسة.. فإذا كان كلام السيّد المسيح يشجّعنا أنّ كأسَ ماءٍ باردٍ واحدًا فقط يكون محسوبًا عند الله ولن يضيع أجره.. فلنؤمن دائمًا أنّ عمل المحبّة يصنع فرقًا مهما كان صغيرًا..!