من كنوز القديس كيرلس عمود الدين (63) لنفرح مع الله بالتائبين

    يُعلّق القدّيس كيرلّس الكبير تعليقًا شيّقًا على مَثَل الابن الضال، كما ذُكِرَ في (لو15: 11-32).. أقتطف منه هذه الفقرات الجميلة:

    + إنّي أسمع أحد الأنبياء القدّيسين، وهو يحاول أن يَربَح البعيدين عن الله إلى التوبة، فيقول: "ارجع يا إسرائيل إلى الربّ إلهك، لأنّك قد تعثَّرتَ باثمِك. خذوا معكم كلامًا، وارجِعوا إلى الرب" (هو14: 1-2). لذلك فأيّ نوعٍ من الكلام يأمرهم بإرشاد الروح، أن يأخذوه معهم؟

    + ألا يكون لائقًا بالذين يرغبون أن يتوبوا، أن يُرضوا الله، الذي هو شفوق ويحبّ الرحمة؟ لأنّه قد قال بواسطة أحد الأنبياء القدّيسين: "ارجعوا أيّها البنون العُصاة لأشفي عصيانكم" (إر3: 22). وأيضًا يقول بصوت حزقيال: "ارجعوا، توبوا وارجعوا عن كلّ معاصيكم يا بيت إسرائيل. اطرحوا عنكم كلّ معاصيكم التي عصيتم بها، لكيلا تصير لكم مهلكة.. لأنّي لا أُسَرّ بموت الخاطئ، بل أن يرجع ويحيا" (حز18: 30-31). ونفس هذا الحقّ يُعلِّمه لنا المسيح هُنا في هذا المثَل الجميل.

    + إنّ إله الكلّ يريد من الإنسان الثابت والراسخ، والذي يعرف أن يعيش حياة مقدّسة.. أن يكون مُخلِصًا في اتّباع مشيئته، لكن حينما يُدعَى أيّ واحِد إلى التوبة، حتّى وإن كان من الذين يعيشون حياة ملومة جدًّا، فإنّه ينبغي بالحريّ أن يفرح، ولا يكون عنده غيظ مُضادّ للمحبّة من جهة التائبين.

    + نحن أحيانًا نختبر شيئًا من هذا النوع، لأنّه يوجَد البعض الذين يعيشون حياة كاملة مُكَرّمة ثابتة، ويمارسون كلّ نوع من أعمال الفضيلة، ويمتنعون عن كلّ شيء مُخالِف لشريعة الله، ويتوَّجون بمديح كامل في نظر الله والناس. بينما البعض الآخَر ربّما يكونون ضعفاء عاثرين، ومُنحَطِّين إلى كلّ أنواع الشرّ، ومُذنِبين بأفعال رديئة، مُحبِّين للدنس والطمع، وملوّثين بكلّ إثم. ومع ذلك يحدث كثيرًا أن يرجع أحد هؤلاء إلى الله في سِنّ متقدّم، ويطلب غفران خطاياه السابقة؛ إنّه يُصلِّي طالبًا الرحمة.. فإنّ الله يكون رحيمًا به.

    + قد يحدث أحيانًا أن يتذمّر بعض الأشخاص من هذا، بل ويقولون: "هذا الإنسان الذي كان مُذنِبًا بكذا وكذا من الأعمال الشرّيرة، وقد تكلّم بكذا وكذا من الكلمات، هذا الإنسان لم يَفِ دَينَ سلوكه الرديء أمام قاضي العدل، بل إنّه حُسِبَ أهلاً لنعمة سامية وعجيبة، وقد حُسِبَ بين أبناء الله، وكُرِّمَ بمجد القدّيسين"!

    + مثل هذه الشكوى يَنطِق بها الناس أحيانًا، نتيجة ضيق العقل الفارغ؛ وشكواهم لا تتّفق مع غرض أب الجميع. لأنّ الآب يفرح فرحًا عظيمًا حينما يرى الذين كانوا ضالّين يَحصُلون على الخلاص، وهو يرفعهم ثانيةً إلى ما كانوا عليه في البداية، مُعطِيًا لهم ثياب الحرّيّة، مُزَيِّنًا إيّاهم بالحُلّة الأولى، ويَضَع خاتمًا في يديهم، أي السلوك باستقامة، الذي يُرضي الله ويليق بالأحرار.

    + لذلك فإنّ واجبنا أن نُخضِع أنفسنا لِما يريده الله، لأنّه يشفي الذين هم مرضى، وهو يرفع الساقطين، ويمدّ يدَهُ بالمعونة للذين يَعثُرون، ويرُدّ إليه الذين ابتعدوا عنه؛ وهو يُشَكِّل من جديد في شكل حياة ممدوحة وبلا لوم أولئك الذين كانوا يتمرّغون في وحل الخطيّة. إنّه يُفَتِّش عن أولئك الذين ضلّوا، وهو يُقيم من الموت الذين كانوا يُعانون من الموت الروحي.

    + دعونا نفرح أيضًا. هيّا نفرح مع الملائكة القدّيسين، ونسبّح الله لأنّه صالح ومُحِبّ للبشر، ولأنّه رحيم ولا يذكُر الشرّ، لأنّه إن كُنّا نُفَكِّر هكذا فالمسيح سوف يقبلنا.

 [عن تفسير إنجيل لوقا للقدّيس كيرلّس السكندري (عظة 107) - إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائيّة - ترجمة الدكتور نصحي عبد الشهيد]