الكاهن

    الكاهن له ثلاث وظائف رئيسيّة.. أولاً: الشفاعة، ثانيًا: الأبوّة والرعاية، ثالثًا: التعليم.

    وفي هذه المهام الثلاث يمثّل الكاهنُ الكنيسةَ، ويتمّم دورها في العالم.. فالكنيسة أولاً هي الوسيطة والشفيعة بين الله والبشر، تنقل إليهم نعمته وبركات خلاصه، وترفع إلى السماء صلوات الناس واحتياجاتهم.. وثانيًا في الكنيسة نلمس أمومة فيّاضة بالحُب ورعاية ساهرة، ونتمتّع فيها بأحضان الآب المفتوحة.. وأخيرًا الكنيسة هي مصدر التعليم النقي المُشبِع للنفس بإرشاد الروح القدس..

1- الكاهن شفيع:

    في العهد الجديد يُسمّى الكاهن "إبريسفيتيروس" وهي تعني "شفيع".. من كلمة "إبريسفيّا" التي تعني شفاعة. فالكاهن شفيع في شعبه وفي كلّ العالم.. شفيع يقف أمام الله لكي يقدّم تضرّعات الناس، ويطلب من أجل انسكاب نعمة الله وغفرانه ومواهبه عليهم.. هو شفيع مرتبط بالمذبح، يستمدّ منه قوّته وسلامه، ويتغذّى منه ويغذِّي أولاده..

    وظيفة الكاهن الأولى هي الصلاة.. كما قال صموئيل النبي الكاهن في إحدى المرّات: "حاشا لي أن أخطئ إلى الرب، فأكفّ عن الصلاة من أجلكم" (1صم12: 23).. وعن طريق الصلاة يمتلئ الكاهن بالقوّة، ويتجدّد سلامه الداخلي، ويعطيه الله حكمة ومعونة.. فيصير بركة لكثيرين..

    كما شفع موسى في شعبه مرّاتٍ عديدة، هكذا تكون مسرّة الكاهن أن يقف بين الله والناس في القدّاس الإلهي، باسطًا يديه، رافعًا توبة شعبه إلى السماء، متشفّعًا بحرارة من أجل غفران الخطايا، وانسكاب النعمة الإلهيّة على كلّ إنسان.. كقول القديس بولس الرسول: "إِنْ كُنْتُ أَنْسَكِبُ أَيْضًا عَلَى ذَبِيحَةِ إِيمَانِكُمْ وَخِدْمَتِهِ، أُسَرُّ وَأَفْرَحُ مَعَكُمْ أَجْمَعِينَ" (في2: 17)..

    صلاة الكاهن هي أهم عنصر في خدمته، كما كان معلّمنا بولس الرسول يفعل دائمًا: "لَمْ نَزَلْ مُصَلِّينَ وَطَالِبِينَ لأَجْلِكُمْ أَنْ تَمْتَلِئُوا مِنْ مَعْرِفَةِ مَشِيئَتِهِ، فِي كُلِّ حِكْمَةٍ وَفَهْمٍ رُوحِيٍّ، لِتَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلرَّبِّ، فِي كُلِّ رِضىً، مُثْمِرِينَ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ، وَنَامِينَ فِي مَعْرِفَةِ اللهِ.." (كو1: 9-10)، "نَشْكُرُ اللهَ كُلَّ حِينٍ مِنْ جِهَةِ جَمِيعِكُمْ، ذَاكِرِينَ إِيَّاكُمْ فِي صَلَوَاتِنَا" (1تس1: 2).. وعن طريق الصلاة ينسكب على قلب الكاهن روح الأبوّة، ويمتلئ حكمةً في الرعاية، وتنفتح عيناه على أسرار الكلمة الإلهيّة، فتجري كلمة الله بفيض على فمه..

2- الكاهن أب وراعي:

    هو أب يلد نفوسًا للمسيح، ويرعاها بإخلاص وحبّ..

    وعمليّة ولادة النفوس للمسيح ليست سهلّةً، بل هي تُشبه مخاض الحُبلى وهي تلد.. وهذا ما عبّر عنه معلّمنا بولس الرسول عندما كان يخاطب أهل غلاطية: "يَا أَوْلاَدِي الَّذِينَ أَتَمَخَّضُ بِكُمْ أَيْضًا إِلَى أَنْ يَتَصَوَّرَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ" (غل4: 19).. فالكاهن عليه أن يبذل جهدًا هائلاً بالصلاة والحُب والتعليم، حتّى تظهر صورة المسيح في الذين يخدمهم..

    أمّا شكل الرعاية المطلوبة منه، فهي تتلخّص في ما قاله الله في سِفر حزقيال: "أَسْأَلُ عَنْ غَنَمِي وَأَفْتَقِدُهَا.. أُخَلِّصُهَا مِنْ جَمِيعِ الأَمَاكِنِ الَّتِي تَشَتَّتَتْ إِلَيْهَا.. أَرْعَاهَا فِي مَرْعًى جَيِّدٍ.. وَأَطْلُبُ الضَّالَّ، وَأَسْتَرِدُّ الْمَطْرُودَ، وَأَجْبِرُ الْكَسِيرَ، وَأَعْصِبُ الْجَرِيحَ، وَأُبِيدُ السَّمِينَ وَالْقَوِيَّ، وَأَرْعَاهَا بِعَدْلٍ" (حز34).

3- الكاهن معلِّم:

    "شَفَتَيِ الْكَاهِنِ تَحْفَظَانِ مَعْرِفَةً، وَمِنْ فَمِهِ يَطْلُبُونَ الشَّرِيعَةَ، لأَنَّهُ رَسُولُ رَبِّ الْجُنُودِ" (ملا2: 7).. هذا هو فكر الله من ناحية الكاهن.. لذلك عليه أن يفهم الإنجيل، ويعيش الإنجيل، ويُعَلّم الإنجيل..

    الكاهن ليس فقط هو خادم الأسرار، بل هو أيضًا معلّم الإنجيل.. يُخرِج من كنوزه جُدُدًا وعتقاء، ويحاول باستمرار أن يوصِّل رسالة الخلاص بطريقة مناسبة لكلّ إنسان، لكي يخلّص على حالٍ قومًا (1كو9: 22)..

    الكاهن هو وكيل الله الذي يجتهد أن يتمّم قول السيّد المسيح عن الوكيل الأمين الحكيم (لو12: 42-44) الذي يقيمه السيّد على عبيده ليعطيهم طعامهم في حينه، طوبي لذلك الوكيل الذي إذا جاء سيّده يجده يفعل هكذا، فسوف يكافئه بأن يُقيمه على جميع أمواله..

    ما أجمل العبارة التي قالها أحد الآباء:

    "أنهار المياه الحيّة تنحدر من أحضان الثالوث القدوس لكي تروي العالم عبر الكاهن".