نبت حالاً..!

    + في مَثَل الزارع، وأثناء حديث السيّد المسيح عن سقوط البذار على الأرض المُحجِرة، نلاحظ في هذا النوع من الأراضي أنّه يكون سريع التفاعُل مع البذرة، كما يقول السيِّد المسيح في المثل أنّه نبت حالاً، ولكن بعد فترة قصيرة عندما أشرقَت الشمس جفّ واحترق..!

    + لماذا نبت بسرعة؟

    في الحقيقة أنّ هذه ليست علامة صِحِّيَّة بل علامة مَرَضِيَّة.. كيف؟

    لنشرح هذا ببساطة:

   1- البذرة الصغيرة يكون مُختَزَنًا بها طاقة قليلة.. وعندما تُزرَع البذرة وتبدأ في الإنبات، تنمو الجذور أوّلاً إلى أسفل، ويَستخدِم الجذر الطاقة البسيطة المُختَزَنة في البذرة لكي ينمو بها إلى أسفل؛ حيث يبدأ في امتصاص الطاقة من التُربة العميقة الرطِبة ويقوم بتغذية النبات بها، فيبدأ النبات في تكوين الساق والصعود به إلى أعلى.. معنى هذا أنّ الطاقة المُختزَنة في البذرة بالكاد تكفي لتكوين الجذر، ثمّ بعد ذلك يكون الجذر هو وسيلة إمداد النبات بالطاقة من أجل حياته ونموِّه..!

    2- إذا كانت الأرض مُحجِرة أو صخريّة، فسيكون الطريق مسدودًا أمام الجذور، وبالتالي فالطاقة المُختَزَنة في البذرة ستذهب لتكوين الساق بسرعة، ليصبح لدينا حالاً نباتًا جميلاً بدون جِذر، أي بدون مصدر لإمداده بالطاقة.. وهنا الخطورة لأنّه سيجفّ بسرعة ويموت لانقطاع طاقة الحياة عنه..!

    3- لذلك فإنّ الإنبات السريع ليس علامة نشاط أو حيويّة، بل هو حالة مَرَضيَّة تكشف عن أن الجذور ضامرة وطريقها مسدود.. فاتّجه النبات إلى أعلى وظهر على وجه الأرض بشكل جميل، حتّى استهلك كلّ الطاقة التي كانت مُختَزَنة في البذرة.. ثمّ جفّ ومات..!!

    4- هكذا يكون هذا النوع من الناس الذين تسكن الصخورُ قلوبَهم عندما يسمعون الكلمة يقبلونها حالاً بفرح.. مثل إنسان ينفعل بعظة سمعها أو بمقالٍ قَرَأَهُ، ولكن الطاقة التي أخذها من الكلمة التي سمعها أو قرأها، لم يستثمرها في صناعة جذر عميق لحياته، من خلال إعادة الاهتمام بالمخدع في جلسة هادئة لمحاسبة النفس، واكتشاف الصخور والأحجار التي في القلب، وصلوات صادقة بتوبة وانسحاق،  ثُمّ لقاء مع أب الاعتراف.. بل يتّجه بالطاقة الروحيّة التي أخذها للخارج؛ في كلام مع الناس أو نشاط اجتماعي أو خدمة تحت الأضواء.. ويستمرّ في هذا قليلاً حتّى تنفذ الطاقة التي كان قد أخذها، وبعدها، ولأتْفَه مشكلة أو ضيقة ينتكس ويرتدّ ويذبل مرّة أخرى..!

    + لذلك في هذا النوع من الأرض بالذّات تظهر أهميّة تقوية الجذور والحياة الداخليّة، إن كُنّا نريد نموًّا روحيًّا حقيقيًّا ومُفرِحًا في حياتنا..!