نفسي في يديك كلّ حين

     "نفسي في يديك كلّ حين، وناموسك لم أنسَ" (مز119: 109)

    جاءت هذه الآية الجميلة في القطعة الرابعة عشرة من المزمور الكبير في سِفر المزامير، والذي نصلِّي به في صلاة نصف الليل..

    هذه الآية تكشف لنا الكثير من المعاني الروحيّة العميقة، منها:

    1- مكان الرّاحة الحقيقي لنفوسنا هو في يديّ الله.. فهو الذي فتح أحضانه لنا على الصليب، ودعانا قائلاً: "تعالوا إليّ يا جميع المُتعَبين، والثّقيلي الأحمال، وأنا أريحكم" (مت11: 28)..

    2- نفوسنا هي أغلى ما نملك، وعندما نضعها بين يديّ الله، فإنّها تكون في يدٍ أمينة، لأن الله هو الوحيد القادر على حمايتنا من كلّ الأخطار.. ولن يستطيع أحد أبدًا أن يخطف خرافه من بين يديه (يو10: 28)..

    3- عندما نلجأ إلى الله ونسلِّم نفوسنا بين يديه، فإنّه يمسح دموعنا، ويداوي جراحاتنا.. وفي أحضانه كلّ السلام والراحة والأمان، وكلّ الدفء والحنان..

    4- يد الله قويّة ومُقتدِرة في عملها.. ومَن يُسلِّم نفسه لها فهي تستطيع أن تغيِّره إلى أفضل.. تستطيع أن تنقِّيه من الشوائب والعيوب.. وتستطيع أن تُشَكِّلَه ليصير مُشابهًا لصورة المسيح في البرّ والقداسة..

    5- عندما نُستودِع نفوسنا بين يديّ الله، فإنّنا نسلِّمه المسئوليّة لكي يقود حياتنا، ويدبِّر كل أمورنا.. ونحن نعلَم أنّ الله عِنده خِطّة جميلة لخلاصنا، ولديه تدبير عظيم ومُبارَك لحياة كلّ مَن يُسلِّم إليه بصِدق قيادة حياته، ويُخضِع كلّ مشيئته له.. كما أنّنا نثق أنّه هو ضابط الكلّ، وأنّ يده هي التي تدير كلّ الأمور في هذا الكون.. فعندما نضع نفوسنا في يديه، نطمئنّ تمامًا، فهو سيرتِّب كلّ ما فيه الخير لنا.

    6- في تسليم نفوسنا بين يديّ الله نهاية للهموم والقلق.. فلا نخاف أو نقلق على المُستقبَل، أو نحمل همّ الغد.. بل ترتاح نفوسنا من كلّ هذا، ويصير شغلنا الشّاغل فقط، بحسب الآية، هو اللهج في ناموس الرب، والتغَذِّي بكلمته المُحيية، والارتواء بتسبيح اسمه على الدوام..

    7- في القدّاس الإلهي نَصِف يديّ الله فنقول: [أخذ خبزًا على يديه الطاهرتين اللتين بلا عيبٍ ولا دنسٍ الطوباويتين المُحييتين].. فيَدُ الله الطاهرة عندما نسلِّم نفوسنا لها تطهِّرنا وتقدِّسنا، بينما مَن يضع نفسه في أيدي ملوّثة سيتلوّث بها.. وأيضًا يد الله المُحيِيَة تستطيع أن تهبنا حياة أبديّة فلا نهلك إلى الأبد (يو10: 28)، وتحيي رجاءً في قلوبنا، وضميرًا صالحًا في نفوسنا.. تُحيي في أعماقنا محبّة الله والغيرة على خدمته ونَشر ملكوته.. تُحيي في داخلنا ما قد تلف أو مات بالخطيّة، وتجدّد حياتنا..

    ما أجمل أن تكون نفوسنا بين يديّ الله كلّ حين..!