بمناسبة إنجيل الأحد الرابع من توت

          نعمة الله أعظم من خطاياك

    تعقيبًا على لقاء المرأة الخاطئة بالربّ يسوع في بيت الفرّيسي (لو7: 36-50). يقول القدّيس كيرلس الكبير:

    + دُعِيَ المسيح من أحد الفرّيسيِّين، ولأنّ المسيح شفوق ومحبّ للبشر.. وافقه ومنحه ما طَلَبَ منه، وإذ دخل اتّكأ على المائدة.

    + مِثل هذه المرأة التي كانت فاسقة وزانية، وهي خطيّة يَصعُب إزالتها، لم تَفقِد طريق الخلاص، لأنّها هربت لاجئة إلى الذي يعرف كيف يُخلِّص، ويستطيع أن يرفع من أعماق النجاسة.

    + الفرّيسي كان منتفخًا وبلا فهم بالمرّة، لأنّه كان من واجبه بالأحرى أن يُنظِّم حياته الخاصّة، ويزيّنها بكلّ الأعمال الفاضلة، وليس أن يحكم على الضعفاء ويدين الآخرين.

    + المسيح جاء من أجلنا، ليس لكي يُخضِع حالتنا للّعنات التي بواسطة الناموس، بل ليفدي أولئك الذين تحت الخطيّة برحمة أعلى من الناموس.. النعمة التي بالمسيح تُبرِّر، لأنّها إذ تُبطِل حُكم الناموس، فهي تُحرِّرنا بواسطة الإيمان..

    + لقد جاء لكي يغفر للمديونين كثيرًا وقليلاً، ولكي يُظهِر رحمةً على الصغير والكبير.. خلَّصَ تلك المرأة غير العفيفة، غير الطاهرة، من خطاياها الكثيرة، بقوله: مغفورة لكِ خطاياكِ. إنّ هذا الإعلان لائق بالله حقًّا، وهو يُبيّن السلطان المُطلَق.. فمَن هو الذي يستطيع أن يُعلِن أشياءَ فوق الناموس، إلاّ الذي وضَعَ الناموس. لذلك فإنّه في الحال أطلق المرأة حُرّة..

    + أولئك الذين كانوا يأكلون مع الفرّيسي، اندهشوا وتعجّبوا لرؤيتهم المسيح مخلِّص الكلّ يملك مثل هذا السموّ الإلهي، ويستعمل تعبيرات تعلو على حقّ الإنسان، لأنّهم قالوا: "مَن هو الذي يغفر خطايا أيضًا؟!

    + هل تريد أن أخبرك مَن هو هذا؟ إنّه هو الذي في حضن الله الآب، والمولود منه بالطبيعة، والذي به كان كلّ شيء، هو الذي يملك سلطانًا مُطلقًا، وتسجد له كلّ خليقة في السماء وعلى الأرض، وهو قد أخضع نفسه لحالتنا، وصار رئيسَ كهنتنا، لكيما يقدّمنا إلى الله طاهرين وأنقياء، إذ قد أَبطَلَ رائحة الخطيّة النتِنة، وجعل نفسه فينا رائحةً طيّبة.

    + اعترِفوا به أنّه الله، وهو اللطيف جدًّا والمُحِب للبشر، أمسِكوا بطريق الخلاص، اهربوا من الناموس الذي يقتل، واقبلوا الإيمان الذي هو فوق الناموس، لأنّه مكتوب "الحرف يقتل" أي الناموس، "ولكنّ الروح يُحيِي" (2كو3: 6) أي التطهير الروحي في المسيح. الشيطان قد ربط سكّان الأرض بقيود الخطيّة، والمسيح فكّ هذه الحِبال. إنّه دعانا أحرارًا، وأبطل طغيان الخطيّة، وطرد المشتكي الذي يشتكي على ضعفاتنا، لكي يتمّ الكتاب "إنّ كلّ إثم يسدّ فاه" (مز107: 42)، لأنّ الله هو الذي يبرِّر "فمَن هو الذي يدين؟" (رو8: 33).

    + بسبب أنّ الابن الوحيد أخضَعَ نفسه للإخلاء، وتجسَّدَ وصار إنسانًا، فقد تلاشى الخطاة. لم يعُد هناك خطاة لأنّ سُكّان الأرض قد تبرّروا بالإيمان، وقد غَسَلوا أدناس خطيّتهم بالمعموديّة، وقد صاروا شركاء الروح القدس، وخرجوا من تحت يد العدو، وبعد أن كانوا تحت سيطرة الشياطين، صاروا يسكنون تحت سلطان المسيح.

    + عطايا المسيح ترفع الناس إلى رجاء طال انتظاره، وإلى فرحٍ عظيم جدًّا، فالمرأة التي كانت مُذنِبة بنجاسات كثيرة.. تبرّرَت، لكي يكون لنا نحن أيضًا ثِقة أنّ المسيح سيرحمنا نحن أيضًا بالتأكيد، حينما يرانا مُسرعين إليه، وساعين أن نهرب من شِراك الشرّ. دعونا نسكب دموع التوبة، هيّا بنا ندهنه بالطيب، لأنّ دموع الذي يتوب هي رائحة طيّبة لله.

    + لا تنزعج حينما تفكِّر في عِظَم خطاياك السابقة، بل بالحريّ اعلم أنّ نعمة الله، التي تبرِّر الخاطئ وتفكّ الشرّير، هي أعظم (من خطاياك).

[عن تفسير إنجيل لوقا للقدّيس كيرلّس السكندري (عظة 40) - إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائيّة - ترجمة الدكتور نصحي عبد الشهيد]