غاية الحياة المسيحيّة

          الاتحاد مع الله

    يسعدني أن أقدّم في هذا المقال بعض الكلمات الذهبيّة للقدّيس كيرلّس السكندري عمود الدين، التي كتبها تعليقًا على الآية الجميلة "ليكونوا هم أيضًا واحدًا فينا" (يو17: 21)، والتي جاءت في صلاة الربّ يسوع الوداعيّة.. ويشرح فيها كيف نتّحد بالله بواسطة شركة الروح القدس، وعن طريق تناولنا من الأسرار الإلهيّة، التي بها نصير أيضًا جسدًا واحدًا وروحًا واحدًا، ليس مع الله فقط، بل مع بعضنا البعض أيضًا.

    يقول القدّيس كيرلّس الكبير:

    + لقد كان من المستحيل بالنسبة لنا، نحن الذين سقطنا عن طريق التعدّي الأصلي، أن نُستَعَاد إلى مجدنا القديم، إلاّ بحصولنا على شركة لا يُنطَق بها، ووِحدة مع الله.

    + ولا يستطيع إنسان أن يبلغ إلى الاتحاد مع الله، إلاّ بالشركة مع الروح القدس، الذي يَغرِس فينا التقديس الخاصّ بأقنومه الذاتي، ويدمِج الطبيعة التي خضعت للفساد في حياته الخاصّة؛ وهكذا يُرجَع إلى الله وإلى مثاله، ذلك الإنسان الذي حُرِمَ من المجد الممنوح من الله.

    + فالابن هو حقًّا صورة الآب، وروح الله هو الشَّبَه الطبيعي للابن، ولهذا السبب، إذ هو يَدمِج من جديد نفوس البشر في ذاته، فهو يطبعهم بشبه الله، ويختمهم بصورة العلي.

    + لكي نرتبط نحن أنفسنا معًا، ونندمج في الوحدة مع الله، ومع بعضنا البعض، رغم وجود اختلاف بيننا، إذ لكلّ واحد مِنّا كيانًا منفردًا بنفسه وجسده، فإنّ الابن الوحيد، بحكمته الذّاتيّة ومشورة الآب، قد ابتكر طريقةً لتتمّ بها هذه الوحدة. فإنّه بواسطة جسد واحد، الذي هو جسده، يبارِك من خلال سرّ الإفخارستيا أولئك الذين يؤمنون به، ويجعلنا من الجسد نفسه، معه ومع بعضنا البعض.

    + فمَن يستطيع أن يقسِم أو يفصِل أولئك الذين ارتبطوا معًا بواسطة جسده المقدّس؟ فإنّ كُنّا نشترك جميعًا في الخبز الواحد (1كو12: 27)، فإنّنا كلّنا نصير جسدًا واحدًا، لأنّ المسيح لا يمكن أن ينقسم، لذلك أيضًا فالكنيسة صارت جسد المسيح.

    + ولكوننا كلّنا قد اتّحدنا بالمسيح بواسطة جسده المقدّس، إذ قد قبلنا في أجسادنا ذاك الذي هو واحد ولا يقبل الانقسام، فإنّ أعضاءنا تكون مَدِينةً لخدمته هو، لا خدمة أنفسنا.

    + والذين يشتركون في جسده المقدّس (يقصد شركة سرّ التناول)، يحصلون من هذا على وِحدة طبيعيّة حقيقيّة مع المسيح.. فالمسيح هو رباط الاتحاد.

    + إنّنا نندمج معًا، بعضنا مع بعض ومع الله. لأنّه إن كُنّا ونحن الكثيرين، يسكن المسيح الواحد في كلٍّ مِنّا، هكذا فإنّ الروح وهو واحد وغير منقسم، يجمع معًا أرواح الأفراد المنفصلة الخاصّة بكلّ واحد مِنّا.. إلى الوحدة لكي يجعلنا جميعًا، نصير فيه وبواسطته واحدًا.

    + فكما أنّ قوّة جسده المقدّس تجعل أولئك الذين يوجَد فيهم أن يكونوا من نفس الجسد، هكذا بالمِثل أيضًا، فإنّ روح الله غير المنقسم الذي يسكن في الجميع، إذ هو واحد، فهو يضمّ الجميع معًا إلى الوحدة الروحيّة.

    + إنّنا نتغيّر إلى طبيعة أخرى، ويُمكِن أن يُقال أنّنا لا نعود بعد مجرّد بشر، بل أيضًا أبناء الله، وبشر سمائيون، من خلال صيرورتنا شركاء الطبيعة الإلهيّة.

 [عن تفسير إنجيل يوحنّا للقدّيس كيرلّس السكندري - إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائيّة - ترجمة الدكتور نصحي عبد الشهيد]