من كنوز القديس كيرلس عمود الدين (60)

          مَثَل الخروف الضالّ

    يقدّم لنا القدّيس كيرلّس الكبير مجموعة تعليقات جميلة على مثَل الخروف الضال، المذكور في (لو15: 3-7).. أقتطف منها هذه الفقرات:

    + الله الآب أرسل ابنه من السماء، لا ليدين العالم، كما يقول هو نفسه، بل ليَخلُص به العالم (يو3: 17). فبأيّ طريقة إذن كان مناسبًا للعالم أن يَخلُص، ذلك العالم الذي أُمسِك في شباك الخطيّة، وصار مُذنِبًا بتهمة الشرّ، وصار خاضعًا لسيّدٍ قاسٍ، أي الشيطان؟

    + هل كانت الطريقة المناسبة هي أن يُعاقَب لسقوطه في التعدّي والخطيّة؟ ألا يكون بالأحرى مساعدته، إذ أنّ الله طويل الأناة، ومستعدّ أن يُغطّي بالنسيان على تلك الأشياء التي تعدَّى فيها الإنسان، وأن يُجدِّد إلى قداسة الحياة أولئك الذين لم يعرفوا كيف يعيشون باستقامة؟!

    + المسيح.. لكي يخلِّص الناس، أخلى ذاته وصار مثلنا في الشكل، وارتدى لباس فقرنا البشري.. الأسرة البشريّة قد ضلَّت طريقها، وقد ابتعدَت عن يد رئيس الرعاة، لذلك فإنّ الذي يُطعِم القطعان السماويّة، صار مثلنا لكي يجعلنا نحن أيضًا نسكن في مساكنه، لكي يوحّدنا مع أولئك الذين لم يضلّوا أبدًا.. ويدفع عنّا أذى الشياطين النجسين، الذين هم كعصابة لصوص شرّيرة، قد أضلّوا كلّ الذين تحت السماء.

    + لذلك، فقد فتّش عن الضال.. ويقول إنّه يفرح به أكثر من الذين لم يضلّوا. افهموا من هذا يا أحبّائي الحدود المتّسعة لمملكة المخلّص، وجموع رعاياه الغفيرة التي تفوق الحصر، وخطّة تدبيره الحكيمة من نحونا. فإنّه يقول إنّ عدد الخراف مائة، وبذلك يجعل عدد رعاياه يَصِل إلى عدد كامل ومتكامل معًا. فإنّ العدد مئة هو عدد كامل، ويتكوّن من عشرة عشرات. وقد تعلّمنا من الأسفار الإلهيّة الموحَى بها أنّ ألوف ألوف يخدمون أمام الله، وربوات ربوات وقوف حول عرشه السامي.

    + لذلك فالخراف هي مائة، وقد ضلّ واحد منها، وأعني به العائلة البشريّة التي على الأرض، والتي جاء رئيس رعاة الجميع يبحث عنها، تاركًا التسعة والتسعين في البرّية. فهل لأنّه ليس عنده اهتمام بالكثيرين قد أظهر الرحمة للواحد فقط؟! كلاّ، فإنّ ذلك ليس لعدم اهتمامه بالكثيرين، فإنّ هذا مستحيل، ولكن بسبب أنّهم في أمانٍ، ومحروسون بيده المقتدرة؛ لذلك من الصواب أن تَظهَر الرحمة من نحو ذلك الذي ضلّ، لكي لا ينقص شيء من العدد الغفير الكامل، بل إذ يردّ الذي ضلّ فإنّ المئة تستردّ جمالها.

    + البحث عن الذي ضلّ ليس احتقارًا لأولئك الذين لم يضلّوا، بل هو فِعل نعمة ورحمة وحُبّ للجنس البشري، وهو عمل لائق بالطبيعة العالية الفائقة لكي تمنحه لخلائقها الساقطة.

    + لنفترض أنّه في بيت واحد يوجَد أكثر من ساكن، ويحدث أنّ أحدهم يسقط مريضًا، فلِمَن يُستَدعَى الأطبّاء المعالجون؟ أليس لذلك الذي سقط مريضًا؟ ولكن استدعاء الأطبّاء للمريض لا يُعتبَر إهمالاً لبقيّة سُكّان البيت.

    + قد اقتنص الوحش المفترس الفرصة، وقاد العائلة البشريّة على الأرض إلى الضلال بعيدًا عن الراعي، وأسرع بها إلى كلّ أنواع البؤس. أمّا رئيس الرعاة فقد خلّص العائلة البشريّة، لأنّه بحث عن الذي ضلّ الطريق، وأسّس لنا حظيرة حصينة، لا تُهاجَم من الوحوش المفترسة واللصوص، وأعني بها الكنيسة، التي يمكن أن نقول في وصفها بكلمات النبيّ: "انظروا فإنّ لنا مدينة قويّة وحصينة، ويَجعل لنا الخلاص أسوارًا ومترسة" (إش26: 1 سبعينيّة).

 [عن تفسير إنجيل لوقا للقدّيس كيرلّس السكندري (عظة 106) - إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائيّة - ترجمة الدكتور نصحي عبد الشهيد]