بمناسبة التذكار الخامس لانتقاله للأخدار السمائيّة - مراسلات مع نيافة أنبا إبيفانيوس

    لم أعرف أنبا إبيفانيوس قبل سيامته أسقفًا في مارس 2013م، ولكنّي بدأت في التعرُّف عليه بعد ذلك من خلال كتاباته، سواء مقالاته الجميلة في مجلّة الكرازة، أو الكتب القيّمة التي أصدرها، مثل خولاجي الدير الأبيض، وترجمته لسفريّ التكوين والخروج عن الأصل اليوناني السبعيني، بالإضافة لترجمته للقدّاسات الباسيلي والغريغوري والكيرلّسي من أصولها اليونانيّة.. وبدأت أشعر أنّني أمام عالِم عملاق، وعقليّة موسوعيّة مستنيرة.. تتمتّع بسِعة أفُق، مع صبر وأمانة في البحث.. بالإضافة إلى إجادته لعِدّة لغات..

    من هنا كان حُزني شديدًا جدًّا عندما علمت بخبر انتقاله، ولم أستطِع ضبط دموعي، مُدرِكًا مدى الخُسارة الفادحة للكنيسة، من غياب قامة روحيّة وعِلمية هائلة، يصعُب تعويضها.. بصرف النظر عن الأحزان الإضافيّة التي صاحبت حادثة استشهاده..!

    على مدى عِدّة سنوات، تواصلتُ مع نيافته، بخصوص ثلاثة موضوعات.. وكانت رسائله لي تحمل دائمًا أبوّة مُشجِّعة، وفِكرًا عِلميًّا مستنيرًا، مع تواضُع جمّ.. لقد كان صريحًا في رصد الواقع، ولكنّ كلامه كان مملوءًا بروح الرجاء..!

    الموضوعات الثلاثة هي: ضبط التقويم القبطي، وترجمة كُتُبه عن القدّاسات الثلاثة إلى الإنجليزيّة، وتنقيح السنكسار.. ومُرفَق صور من رسائله لي بخصوص الموضوعات الثلاثة، كان آخِرهم قبل نياحته بأقل من شهر.

    أوّلاً: موضوع "ضبط التقويم القبطي":

    عندما أرسلت له المُقترَح لضبط التقويم، بإجراء بسيط يتمّ مرّة واحدة، كما شرحته ونشرته بالتفصيل في أوائل عام 2015م، وافقني تمامًا.. وشجّعني على التواصُل مع الآباء أساقفة المجمع المقدّس، بل وأرسل لي قائمة ببريدهم الإلكتروني.. مُعتِبرًا أنّ النشر عملاً إيجابيًّا لتهيئة أذهان الشعب، لمثل هذا التعديل المطلوب.. وأوضح لي أنّ عليّ التحلِّي بالصبر، لأنّ تغيير الأذهان عادةً يأخُذ وقتًا..!

    ثانيًا: موضوع ترجمة بعض كتبه إلى اللغة الإنجليزيّة:

    في أواخِر عام 2017م، دار حديث مع أبي الغالي القمّص تادرس يعقوب، عن الأصول اليونانيّة للقدّاسات الثلاثة المُستَعمَلة في الكنيسة، والإضافات التي دخلَت عليها عبر الزمن، وقدّمتُ لقدس أبينا تادرس فِكرة عن الكُتب التي نشرها نيافة أنبا إبيفانيوس عن القدّاسات الثلاثة في أقدم الأصول اليونانيّة المتوفِّرة لها، وأرسلت لقدسه نسخًا منها، ففرح بها جدًّا، وطلب مِنّي أن أتواصل مع أنبا إبيفانيوس، لكي يتمّ ترجمة هذه الكُتُب إلى الإنجليزيّة، لتعريف شباب المهجر بأصول القدّاسات.. سواءً تتمّ هذه الترجمة عن طريق أنبا إبيفانيوس نفسه، أو يقوم أبونا تادرس بمساعدة فريق العمل معه بمثل هذه الترجمة.

    أرسلت لنيافة أنبا إبيفانيوس رسالةً بهذا المضمون، فرحّب نيافته بفكرة الترجمة، ولكنّه اعتذر لعدم إمكانِهِ القيام بها، مُعطيًا الضوء الأخضر أن يقوم بها أبونا تادرس، واعتبَرَ ذلك شرفًا لا يستحقّه..!

    ثالثًا: موضوع تنقيح السنكسار:

    قُبَيل حادثة استشهاده بأقل من شهر، وبالتحديد في أواخر يونيو عام 2018م، تواصلت مع نيافة أنبا إبيفانيوس، بخصوص احتياج الكنيسة لوجود نسخة منقّحة من كتاب السنكسار، ذلك الكتاب الهامّ الذي تقرأ منه الكنيسة للشعب يوميًّا في القدّاسات لأجل البنيان، كما نشرتُ على صفحتي عِدّة مقالات بخصوص هذا الموضوع..

    وفي الحقيقة أنّني طلبت منه بشكل شخصي أن يقود مشروع القيام بمثل هذا العمل العِلمي والرعوي الهامّ، إذ لا يوجَد مَن هو بمثل مؤهّلاته العِلميّة والروحيّة لإنجاز عمل كبير كهذا.

    وجاء ردّ نيافته مؤيِّدًا لضرورة القيام بهذا المشروع، على أسُس علميّة، حتّى لو كان سيأخُذ بعض الوقت.. موضِّحًا بعض الصعوبات التي يمكن أن تواجه تنفيذ الفِكرة.. ومُقدِّمًا بعض المقترحات..

    وبعد انتقاله، يظلّ المشروع حتّى الآن قائمًا كفكرة، تنتظر مَن يقوم بتنفيذها..!

    لقد كان أنبا إبيفانيوس إشراقة جميلة أضاءت بالروح والمحبّة في سماء الكنيسة، وقد صدَق فيه قول الكتاب "الْفَاهِمُونَ يَضِيئُونَ كَضِيَاءِ الْجَلَدِ، وَالَّذِينَ رَدُّوا كَثِيرِينَ إِلَى الْبِرِّ كَالْكَوَاكِبِ إِلَى أَبَدِ الدُّهُورِ" (دا12: 3).