بمناسبة إنجيل الأحد الثاني من شهر أبيب : من هو أعظم في ملكوت السموات؟!

    كان هذا هو سؤال التلاميذ لربنا يسوع المسيح.. والقدّيس كيرلّس الكبير له تعليق جميل على هذا الموقف، يشرح فيه كيف قدّم الربّ درسًا للرسل، في أهمّيّة أن يحفظ الإنسان نفسه من مرض المجد الباطل.. فيقول:

    + الشيطان يستعمل كلّ حيلة في محاربة القدّيسين بواسطة خطايا متنوّعة.. لذلك فإنّ أَلَم (مرض) وشهوة المجد الباطل قد هجم على واحد من الرسل القدّيسين؛ لأنّ مجرّد المجادلة في مَن هو أعظم بينهم، هي علامة على شخص طموح متلهّف أن يكون رئيسًا للباقين. لكنّ الذي يعرف أن يُخَلِّص، أي المسيح.. رأى الزوان، عمل الزارع الشرير، وقبل أن ينمو عاليًا، وقبل أن يصير قويًّا ويمتلك القلب، فإنّه ينتزع الشرّ من جذوره.. لأنّ الشهوات حينما تكون في بدايتها، وكما لو كانت في طفولتها، ولم يكتمل نموّها بعد ولا صارت لها جذور راسخة، يكون من السهل التغلُّب عليها، ولكن حينما تكون قد زادت ونمت، وصارت قويّة، فمِن الصّعب خلعها أو اقتلاعها..

    + بأيّ طريقة إذن، يبتر طبيب النفوس مرض المجد الباطل؟.. أخذ ولدًا وأقامه عنده، وجعل هذا الحديث وسيلة لمنفعة الرسل القديسين أنفسهم، ولمنفعتنا نحن خلفائهم.. الولد الذي قد أخذه.. كان مثالاً لحياة بريئة غير طامعة، لأنّ عقل الطفل خالٍ من الخداع، وقلبه مُخلِص وأفكاره بسيطة، وهو لا يطمَع في الدرجات، ولا يعرف معنى أن يكون إنسانٌ أعلى من آخر في المَركز، وهو ليس عنده عدم ترحيب بأنّ يُحسَب أقلّ من غيره، وهو لا يضَع نفسه فوق أيّ شخص آخَر مهما كان. وحتّى إن كان من عائلة شريفة، فإنّه لا يتشاجر بسبب الكرامة، حتّى مع عبد. حتّى لو كان والداه غنيّيْن، فهو لا يعرف أيّ فرق بينه وبين الأطفال الفقراء، بل على العكس فهو يحبّ أن يكون معهم، ويتحدّث ويضحك معهم بدون تمييز.. وفي قلبه وعقله توجَد صراحة كبيرة ناشئة من البساطة والبراءة..

    + بولس الحكيم جدًّا يريد أنّ أولئك الذين يؤمنون بالمسيح، ينبغي أن يكونوا رجالاً ناضجين في الفهم، "ولكن أطفالاً في الشر" (1كو14).. والمسيح نفسه يقول في أحد المواضِع: "طوبى للمساكين بالرّوح، لأنّ لهم ملكوت السموات" (مت5: 3). لذلك فإنّ زينة النفس التي تتقدّس هي الفِكر المسكين المتواضِع، أمّا الرغبة في النظر إلى النفس نظرة عالية، والنزاع مع الإخوة بسبب الكرامة والمركز، والشجار معهم بحماقة، فهذا في المُقابِل هو عارٌ عظيم. مثل هذا السلوك يُفرِّق الأصدقاء، ويجعل ذوي الميول المتشابهة أعداء. هذا السلوك يتغلّب على قانون الطبيعة، ويقلب المحبّة الفطريّة التي نُكِنُّها للإخوة. إنّه يقسم المحبّين أحيانًا، ويجعل حتّى المولودين من رحِمٍ واحد أعداءَ بعضهم لبعض. إنّه يحارب بركات السلام ويقاومها. إنّه بؤس عظيم ومرض اخترعه شرّ الشيطان.

    + إذن، فليكُن مرض محبّة المجد الباطل بعيدًا عن أولئك الذين يحبّون المسيح، ولنعتبر رفقاءنا بالحريّ أفضل من أنفسنا، ولنكُن توّاقين أن نزيِّن أنفسنا بتواضُع العقل، الذي يُسِرّ الله جدًّا. لأنّنا إذ نكون هكذا بسطاء الفِكر، كما يليق بالقدّيسين، فإنّنا سنكون مع المسيح، الذي يكرم البساطة..

[عن تفسير إنجيل لوقا للقدّيس كيرلّس السكندري (عظة 54) - إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائيّة - ترجمة الدكتور نصحي عبد الشهيد]