الكارز العظيم القدّيس بولس الرسول (11)

تابع الرحلة الكرازيّة الثانية:

    + بعد أن افتقد بولس ومعه سيلا الكنائس في سورية وكيليكيّة، نقرأ ما يلي:

    "ثُمَّ وَصَلَ إِلَى دَرْبَةَ وَلِسْتَرَةَ، وَإِذَا تِلْمِيذٌ كَانَ هُنَاكَ اسْمُهُ تِيمُوثَاوُسُ، ابْنُ امْرَأَةٍ يَهُودِيَّةٍ مُؤْمِنَةٍ وَلَكِنَّ أَبَاهُ يُونَانِيٌّ، وَكَانَ مَشْهُودًا لَهُ مِنَ الإِخْوَةِ الَّذِينَ فِي لِسْتَرَةَ وَإِيقُونِيَةَ. فَأَرَادَ بُولُسُ أَنْ يَخْرُجَ هَذَا مَعَهُ، فَأَخَذَهُ وَخَتَنَهُ مِنْ أَجْلِ الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي تِلْكَ الْأَمَاكِنِ، لِأَنَّ ٱلْجَمِيعَ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَبَاهُ أَنَّهُ يُونَانِيٌّ. وَإِذْ كَانُوا يَجْتَازُونَ فِي الْمُدُنِ كَانُوا يُسَلِّمُونَهُمُ الْقَضَايَا الَّتِي حَكَمَ بِهَا الرُّسُلُ وَالْمَشَايِخُ الَّذِينَ فِي أُورُشَلِيمَ لِيَحْفَظُوهَا. فَكَانَتِ الْكَنَائِسُ تَتَشَدَّدُ فِي الْإِيمَانِ وَتَزْدَادُ فِي الْعَدَدِ كُلَّ يَوْمٍ" (أع16: 1-5).

    + هنا نرى أوّل ظهور لتيموثاوس.. ومن الواضح أنّه آمَنَ على يد بولس وبرنابا عند كرازتهم في لسترة أثناء الرحلة الأولى.. ومع مرور الوقت أخذ في النضوج، وتكوين جذور قويّة في المسيح، وفي فهم الإيمان من خلال الأسفار المقدّسة.

    + القدّيس بولس دائمًا يحاول تجنيد خدّام جدد للعمل معه، فوجد في تيموثاوس شخصيّة مناسبة للخدمة، كما كان مشهودًا له من المؤمنين في كلّ المنطقة.. ورأى أنّ له استعدادًا للتكريس بالكامل من أجل خدمة الكرازة.

    + "ختنه من أجل اليهود".. مع أنّه كان يؤمن بعدم جدوى الختان من جهة الخلاص، إلاّ أنّه كان واعيًا بأهمّيّة الختان من أجل الكرازة وسط اليهود.. فهو لا يريد أن يكون عدم الختان عائقًا لإنجيل المسيح، كما قال في إحدى رسائله: "نَتَحَمَّلُ كُلَّ شَيْءٍ لِئَلاَّ نَجْعَلَ عَائِقًا لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ" (1كو9: 12).

    + كان خطّ سيرهم هو في المدن التي كرزوا فيها من قبل، من أجل افتقاد وتثبيت المؤمنين يوميًّا.. وهذا كان سببًا في تقوية الإيمان وزيادة عدد المؤمنين كلّ يوم..

    + "يسلّمونهم القضايا".. جاءت في الأصل اليوناني: "التعاليم العقيديّة"، وهي نصوص الإيمان الأساسيّة التي أقرّها الآباء الرسل.

    + حتّى منتصف الرحلة الكرازيّة الثانية، لم يكُن القدّيس بولس قد كتَبَ أيّة رسالة.. بل كان فقط يكرز ويُعلّم ويُتلمِذ شفويًّا.

    + ثمّ نقرأ ما يلي:

    "وَبَعْدَ مَا اجْتَازُوا فِي فِرِيجِيَّةَ وَكُورَةِ غَلَاطِيَّةَ، مَنَعَهُمُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِالْكَلِمَةِ فِي أَسِيَّا. فَلَمَّا أَتَوْا إِلَى مِيسِيَّا حَاوَلُوا أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى بِثِينِيَّةَ، فَلَمْ يَدَعْهُمُ الرُّوحُ. فَمَرُّوا عَلَى مِيسِيَّا وَانْحَدَرُوا إِلَى تَرُوَاسَ. وَظَهَرَتْ لِبُولُسَ رُؤْيَا فِي اللَّيْلِ: رَجُلٌ مَكِدُونِيٌّ قَائِمٌ يَطْلُبُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ: اعْبُرْ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ وَأَعِنَّا. فَلَمَّا رَأَى الرُّؤْيَا لِلْوَقْتِ طَلَبْنَا أَنْ نَخْرُجَ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ، مُتَحَقِّقِينَ أَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ دَعَانَا لِنُبَشِّرَهُمْ" (أع16: 6-10).

    + الكرازة في منطقة غلاطية بدأت في الرحلة الأولى، وبالتحديد في أنطاكية بيسيديّة وأيقونيّة.. وبحسب ما ذكَر القدّيس بولس في رسالته إليهم، أنّه كان مريضًا جدًّا، وأنّه خدمهم بضعف الجسد (غل4: 13-15)..

    + واضح هنا أنّ الروح القدس هو الذي يقود قافلة الكرازة، وله خطّة عمل تتجاوز تفكير الخُدّام.. فنجد عبارات مثل: "منعهم الروح القدس أن يتكلّموا بالكلمة في آسيا - حاولوا أن يذهبوا إلى بِثينية، فلم يدعهم الروح".. لذلك على الخُدّام في كلّ الأوقات أن يطيعوا توجيهات الروح، وينتظروا إرشاده في كلّ خطوة.

    + الله له خطّة كبيرة لخلاص العالم، تفوق رؤيتنا المحدودة.. لذلك يلزمنا أن نكون باستمرار أدوات طيّعة في يده لتتميم خطّته..!

    + نلاحظ في هذه الفقرة من سِفر أعمال الرسل، تغيير الكلام من صيغة الغائب (اجتازوا - يتكلّموا - أتوا - حاولوا - مرّوا - انحدروا) إلى صيغة المتكلّم بالجمع (طلبنا - نخرج - الربّ قد دعانا لنبشّرهم).. وهذا يعني أنّ القدّيس لوقا كاتب السِّفر قد انضمّ إلى المجموعة الكارزة، منذ ذلك الوقت.

    + بعد الرؤيا التي رآها بولس، بدأت خطّة الله تتّضح أولى خطواتها، من أجل الكرازة بقارّة أورُوبّا..

    + العبور إلى أورُبّا هو مغامرة جديدة لفريق الكرازة، الذي يضمّ الآن مع بولس وسيلا، تيموثاوس ولوقا أيضًا.. هم ذاهبون إلى المجهول، لكنّهم يثقون أنّ الربّ الذي دعاهم سيكون معهم، لا يهملهم ولا يتركهم.. بل يتقدّم خطواتهم.. فالعمل عمله، وهم مجرّد أدوات في يده.

(يُتَّبَع)

11 / 17