الكارز العظيم القدّيس بولس الرسول (7)

* الخدمة في لسترة ودربة:

    + نقرأ في سفر أعمال الرسل ما يلي:

    "وَكَانَ يَجْلِسُ فِي لِسْتْرَةَ رَجُلٌ عَاجِزُ ٱلرِّجْلَيْنِ مُقْعَدٌ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ، وَلَمْ يَمْشِ قَطُّ. هَذَا كَانَ يَسْمَعُ بُولُسَ يَتَكَلَّمُ، فَشَخَصَ إِلَيْهِ، وَإِذْ رَأَى أَنَّ لَهُ إِيمَانًا لِيُشْفَى، قَالَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «قُمْ عَلَى رِجْلَيْكَ مُنْتَصِبًا!». فَوَثَبَ وَصَارَ يَمْشِي. فَٱلْجُمُوعُ لَمَّا رَأَوْا مَا فَعَلَ بُولُسُ، رَفَعُوا صَوْتَهُمْ بِلُغَةِ لِيكَأُونِيَّةَ قَائِلِينَ: إِنَّ ٱلْآلِهَةَ تَشَبَّهُوا بِٱلنَّاسِ وَنَزَلُوا إِلَيْنَا. فَكَانُوا يَدْعُونَ بَرْنَابَا «زَفْسَ» وَبُولُسَ «هَرْمَسَ» إِذْ كَانَ هُوَ ٱلْمُتَقَدِّمَ فِي ٱلْكَلَامِ. فَأَتَى كَاهِنُ زَفْسَ، ٱلَّذِي كَانَ قُدَّامَ ٱلْمَدِينَةِ، بِثِيرَانٍ وَأَكَالِيلَ عِنْدَ ٱلْأَبْوَابِ مَعَ ٱلْجُمُوعِ، وَكَانَ يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحَ. فَلَمَّا سَمِعَ ٱلرَّسُولَانِ، بَرْنَابَا وَبُولُسُ، مَزَّقَا ثِيَابَهُمَا، وَٱنْدَفَعَا إِلَى ٱلْجَمْعِ صَارِخَيْنِ. وَقَائِلِينِ: أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ، لِمَاذَا تَفْعَلُونَ هَذَا؟ نَحْنُ أَيْضًا بَشَرٌ تَحْتَ آلَامٍ مِثْلُكُمْ، نُبَشِّرُكُمْ أَنْ تَرْجِعُوا مِنْ هَذِهِ ٱلْأَبَاطِيلِ إِلَى ٱلْإِلَهِ ٱلْحَيِّ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاءَ وَٱلْأَرْضَ وَٱلْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، ٱلَّذِي فِي ٱلْأَجْيَالِ ٱلْمَاضِيَةِ تَرَكَ جَمِيعَ ٱلْأُمَمِ يَسْلُكُونَ فِي طُرُقِهِمْ. مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ نَفْسَهُ بِلَا شَاهِدٍ، وَهُوَ يَفْعَلُ خَيْرًا: يُعْطِينَا مِنَ ٱلسَّمَاءِ أَمْطَارًا وَأَزْمِنَةً مُثْمِرَةً، وَيَمْلَأُ قُلُوبَنَا طَعَامًا وَسُرُورًا. وَبِقَوْلِهِمَا هَذَا كَفَّا ٱلْجُمُوعَ بِٱلْجَهْدِ عَنْ أَنْ يَذْبَحُوا لَهُمَا. ثُمَّ أَتَى يَهُودٌ مِنْ أَنْطَاكِيَةَ وَإِيقُونِيَةَ وَأَقْنَعُوا ٱلْجُمُوعَ، فَرَجَمُوا بُولُسَ وَجَرُّوهُ خَارِجَ ٱلْمَدِينَةِ، ظَانِّينَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ. وَلَكِنْ إِذْ أَحَاطَ بِهِ ٱلتَّلَامِيذُ، قَامَ وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ، وَفِي ٱلْغَدِ خَرَجَ مَعَ بَرْنَابَا إِلَى دَرْبَةَ. فَبَشَّرَا فِي تِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ وَتَلْمَذَا كَثِيرِينَ" (أع14: 8-21).

    + من الواضح أنّ بولس كان يتكلّم في مكان عام، وليس في مجمع يهودي..

    + الرجل المُقعَد أنصت لكلمة الله الحيّة، فتولّد داخله إيمان..

    + الإيمان شرط أساسي للشفاء والتمتُّع بقوّة الله..

    + شفاء المُقعَد هو إشارة لخلاص النفس من الخطيّة وقيودها، وانطلاقه في حياة جديدة، مملوءة بالحرّيّة والفرح.

    + كانوا يدعون برنابا "زَفس" أي "المُشترى"، ونعرف أنّه كوكب كبير وبطيء في دورانه ودرجة حرارته منخفضة جدًّا، لأنّه بعيد عن الشمس.. وبولس "هَرمَس" أي "عطارد"، وهو كوكب أصغر وأسرع وأكثر حرارة، بسبب قربه الشديد من الشمس.

    + هذا يعطينا فكرة أنّ بولس كان أقلّ في الحجم وأسرع في الحركة والحِمية من برنابا الهادئ.. كما كان بولس هو المتقدّم في الكلام.

    + واضح أنّ هؤلاء الناس في لِسترة كانوا يعبدون الكواكب.. وكان معروفًا في ذلك الوقت خمسة كواكب يمكن رؤيتها من الأرض بالعين المجرّدة، بالإضافة للشمس والقمر، وهذه الكواكب هي: عطارد - الزهرة - المرّيخ - المُشترى - زُحَل.

    + المعجزة هذه المرّة تسبّبت في مشكلة لبولس وبرنابا.. حتّى اضطرّا لتمزيق ثيابهما، لكي يوقفا الجمهور عن تقديم ذبيحة لهما..

    + الخادم لا ينبغي أن يقبل الكرامة من البشر، بل يحوِّل كلّ المجد لله.. ويُوجِّه الناس لتمجيد الله الخالق صانع الخيرات وواهب النِعَم..

    + الخادم الأمين لا يقبل التتويج على قلوب الناس، بل أن يُتَوَّج المسيح في قلوبهم سيّدًا وملكًا لهم.

    + استخدم القديس بولس مدخلاً مناسبً في الكرازة لهؤلاء الوثنيّين، وليس كما يكلّم اليهود من أسفار العهد القديم.. بل اهتمّ أن يبدأ حديثه بالله الخالق محبّ البشر، الذي يدبر الكون، ويُغدِق بالعطاء على الجميع.. وكيف أنّه يسمح للشعوب بأن يختاروا بكلّ حرّيّة الطرُق التي يسلكون فيها.. وفي نفس الوقت لا يترك نفسه بلا شاهد..!

    + الجمهور (التجمهُر) الكبير غالبًا يتصرّف بلا عقل، وتسود عليه الانفعالات، ومن السهل تحريكه يمينًا ويسارًا..

    + الجموع التي كانت تريد أن تقدّم ذبائح لبولس وبرنابا كآلهة، انقلبوا بسرعة شديدة، واقتنعوا بالتخلّص من بولس، فرجموه وجرّوه خارج المدينة، ظانّين أنّه قد مات..!

    + إحاطة التلاميذ ببولس، إشارة إلى جمال الكنيسة المتماسكة، ودعمها لأعضائها، وقوّة الصلاة فيها، حتّى أنّ صلوات التلاميذ أقامته من الموت.. وهو يَذكر أنّه مات ميتات كثيرة (2كو11: 23)، ربّما هذه المناسبة كانت واحدة منهم..!

    + الرجم كان مُميتًا.. ولكنّ الله أقامه من الأموات، لأنّه رأى أنّه لايزال له رسالة كبيرة في الكرازة..

    + أحيانًا ينجّينا الله من موتٍ محقّق، لأنّه يريد مِنّا استكمال رسالتنا على الأرض، بحسب خطّته الإلهيّة..

    + لا شيء ينبغي أن يوقِف الخدمة والكرازة، فقد ذهب بولس وبرنابا إلى مدينة دربة، وهناك بشّرا وتلمذا كثيرين، وهذا يعني أنّهما مكثا في دربة مُدّة طويلة.. وعمومًا فإنّ التلمذة هي أساس المسيحيّة، وتشمل التغذية الروحيّة بالتعاليم الإلهيّة والتسليم والأبوّة والمتابعة..

* ختام الرحلة الكرازيّة والعودة إلى أنطاكية:

    + ثمّ نقرأ ما يلي:

    "ثُمَّ رَجَعَا إِلَى لِسْتِرَةَ وَإِيقُونِيَةَ وَأَنْطَاكِيَةَ، يُشَدِّدَانِ أَنْفُسَ ٱلتَّلَامِيذِ وَيَعِظَانِهِمْ أَنْ يَثْبُتُوا فِي ٱلْإِيمَانِ، وَأَنَّهُ بِضِيقَاتٍ كَثِيرَةٍ يَنْبَغِي أَنْ نَدْخُلَ مَلَكُوتَ ٱللهِ. وَٱنْتَخَبَا لَهُمْ قُسُوسًا فِي كُلِّ كَنِيسَةٍ، ثُمَّ صَلَّيَا بِأَصْوَامٍ وَٱسْتَوْدَعَاهُمْ لِلرَّبِّ ٱلَّذِي كَانُوا قَدْ آمَنُوا بِهِ. وَلَمَّا ٱجْتَازَا فِي بِيسِيدِيَّةَ أَتَيَا إِلَى بَمْفِيلِيَّةَ. وَتَكَلَّمَا بِٱلْكَلِمَةِ فِي بَرْجَةَ، ثُمَّ نَزَلَا إِلَى أَتَّالِيَةَ. وَمِنْ هُنَاكَ سَافَرَا فِي ٱلْبَحْرِ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ، حَيْثُ كَانَا قَدْ أُسْلِمَا إِلَى نِعْمَةِ ٱللهِ لِلْعَمَلِ ٱلَّذِي أَكْمَلَاهُ. وَلَمَّا حَضَرَا وَجَمَعَا ٱلْكَنِيسَةَ، أَخْبَرَا بِكُلِّ مَا صَنَعَ ٱللهُ مَعَهُمَا، وَأَنَّهُ فَتَحَ لِلْأُمَمِ بَابَ ٱلْإِيمَانِ. وَأَقَامَا هُنَاكَ زَمَانًا لَيْسَ بِقَلِيلٍ مَعَ ٱلتَّلَامِيذِ" (أع14: 21-28).

    + كانت رحلة العودة تمرّ بكلّ البلاد التي بشّروا فيها، فكانت تشمل افتقادًا شاملاً لتلك البلاد، لتشديد وتثبيت التلاميذ بالوعظ والصلاة، مع سيامة قسوس لهم لرعاية الكنائس وتلمذة المؤمنين الجُدُد.. وهنا تظهر أهمّية الكهنوت لتتميم الأسرار وللتعليم والافتقاد والتلمذة والتبشير..

    + من المبادئ الهامّة التي غرسها الرسولان أيضًا في ذهن التلاميذ، أنّ الضيقات وحمل الصليب هما ضريبة ينبغي أن نكون دائمًا مستعدّين لدفعها في أيّ وقت.. وهذه الضيقات لا تُحسَب شيئًا في مقابل ميراث ملكوت السموات الموهوب لنا من الله مجّانًا..!

    + جاءت كلمة "انتخبا لهم قسوسًا" في الأصل اليوناني "شَرطَنَا لهم قسوسًا"، ومنها جاءت كلمة "الشرطونيّة" وهي تُعني السيامة الكهنوتيّة بوضع الأيدي.

    + من التلاميذ الموجودين في لستره كان هناك تيموثاوس، الذي سيُصاحب القدّيس بولس في رحلته الثانية..

    + من المهم معايشة الخادم للمخدومين، وليس فقط وعظهم.. فكانت الصلوات والأصوام الجماعيّة تصهر الكنائس كلّها لتكون قلبًا واحدًا وروحًا واحدًا..

    + غادر بولس وبرنابا آسيا الصغرى، وأبحرا إلى أنطاكية سوريه، المدينة التي بدآ الرحلة منها..

    + مشاركة أخبار عمل الله مع المؤمنين، هو أمر نافع ومشجّع جدًّا.. ففيه تمجيد لله، ونقل للخبرات، وتشجيع على التكريس من أجل الكرازة، وتقوية الحالة الروحيّة للكنيسة بوجه عام..

    + كان تركيز الرسولين في أحاديثهما مع شعب أنطاكية، ليس على بطولات وإنجازات شخصيّة، بل على عمل الله معهما، وكيف كان يفتح باب الإيمان لجميع الأمم والشعوب.

    + أقاما زمانًا ليس بقليل في أنطاكية.. وهذا يعني أنّهما لم يكونا متعجّلين للتحرّك إلى أماكن أخرى، بدون توجيه إلهي..

(يُتَّبَع)

7 / 17