بمناسبة قراءات عيد العنصرة

أحاديث عن الروح القدس للقدّيس كيرلّس الكبير

    + حينما يدعو المُعزّي بـ "روح الحق"، أي روحه (لأنّه هو الحقّ)، فهو يقول إنّه يأتي من الآب. فلأنّ الروح هو خاصّ بالابن بالطبيعة، إذ أنّه فيه، وينبثق من الآب ويأتينا بالابن، فهو (الروح) أيضًا يخصّ الآب.

    + نحن نُعلِن أنّ المُعزّي الروح القدس خاصّ بالابن، وليس مُضافًا من الخارج، ولا هو مُكتَسَب بالنسبة للابن، كما هو في حالة أولئك الذين ينالون التقديس (المؤمنين بالمسيح)، الذين ليس لهم الروح طبيعيًّا فيهم، ولكنّه غُرِسَ فيهم. ونؤمن أنّ الابن هو من نفس الجوهر مع الروح، كما هو مع الآب أيضًا.. (الابن قدّوس بالطبيعة، والروح قدُّوس بالطبيعة، أمّا نحن المؤمنين فإنّنا قدّيسين بالمشاركة، عن طريق التبنّي، وانسكاب الروح فينا).

    + كان ضروريًّا بالتأكيد، أنّنا ينبغي أن نصير شركاء الطبيعة الإلهيّة للكلمة.. أن نتحوّل إلى حياة أخرى.. ولكن كان من المستحيل أن نبلغ إلى هذا بأيّ طريقة أخرى، سوى بالشركة في الروح القدس..!

    + إنّ الروح القدس يُغيِّر ميول أولئك الذين يكون فيهم، ويَسكُن داخلهم، ويُعيد تشكيلهم إلى جِدَّة الحياة.. فهو يحوّلهم بسهولة من المَيْل إلى الانشغال بالأمور الأرضيّة، إلى التأمُّل فقط في السماويّات، ومِن الجُبْن غير الرجولي إلى الشجاعة وعدم الخوف. وهكذا نجد التلاميذ الذين امتلأوا بالروح القدُس، قد تحوّلوا إلى حالة من عدم الانزعاج من هجمات مضطهديهم، وأمسكوا بمحبّة المسيح بكلّ قوّة. لذلك فإنّ المخلّص صادق حينما يقول: "خير لكم أن أنطلق إلى السماء". لأنّ هذا كان هو الوقت المناسب لنزول الروح.

    + "ذاك يُمجّدني، لأنّه يأخُذ مِمّا لي ويخبركم". الروح القدس يُعلِن سرّ المسيح للذين يُوجَدون أهلاً لذلك.. حينما جاء الروح من السماء أوضَحَ مجده تمامًا للقدّيسين.. إذ غرس في القدّيسين معرفة تامّة ومتكاملة، وهكذا جعل مجد المسيح يزداد في عيون الناس..

    + كما أنّ أريج الزهور ذات الرائحة الحلوة، يصدُر بطريقةٍ ما، من نشاط أجزاء الزهور الأساسيّة والطبيعيّة.. وتستقبله أعضاء حاسّة الشمّ في الجسد.. هذا الأريج ليس له وجود مستقلّ، فهو غير منفصل بالطبيعة عن المصدر الذي ينبعث منه، والذي يوجَد فيه هذا الأريج؛ هكذا يمكن أن نفهم العلاقة بين الله الآب والروح القدس، بواسطة هذا المثال عن الزهور وأريجها.

    + الربّ يقول أنّ المعزّي يأخُذ مِما لي ويخبركم، أي أنّه لن يقول شيئًا غير متّفق مع قصدي وتعليمي، ولكن حيث أنّه روحي، فإنّ لغته ستكون مُطابقة تمامًا للغتي، وسيُظهِر لكم مشيئتي.

    + الروح القدس يسكن في القدّيسين، ويُعلِن أسراره لهم.. لأنّ الله يتّحد بالخليقة عن طريق ابنه في الروح.. الروح ينقِل إلى الإنسان المخلوق فيضًا متدَفِّقًا من الله.. الروح القدس يملك القوّة، حيث أنّه بالطبيعة الله، أن يجعل أولئك الذين يحلّ فيهم، شركاء الطبيعة الإلهيّة..!

 [عن تفسير إنجيل يوحنّا للقدّيس كيرلّس السكندري (الأصحاح 15، 16) - إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائيّة - ترجمة الدكتور نصحي عبد الشهيد]