مكتبات بيع الكتب في الكنائس

    هي خدمة هامة، معاونة لخدمة الوعظ والتعليم في الكنيسة.. إذ أنّ الكلمة المكتوبة تعضِّد الكلمة المسموعة وتوثِّقها.. فتوصيل كلمة الله الحيّة المحيية والمُغيِّرة للنفوس، هو الهدف الأساسي لمكتبات بيع الكتب بالكنائس..

    لذلك نجد أنّه في بدء نشأة المكتبات في الكنائس، وفي الخمسينيات والستينيات، كان المشرفون عليها هم أمناء خدمة مدارس الأحد.. لأنّ المكتبة كانت أصلاً تُقام من أجل تعضيد الخدمة، وإمدادها بالدروس المطبوعة، وكافّة الهدايا والصور المعاونة، كوسائل إيضاح تعليمية.. ومع مرور الوقت دخل بيع بعض المنتجات والهدايا الحديثة للشعب..

    إلى هنا يمكن أن نقول أنّ هذا كلّه مازال يخدم الهدف الأصلي..

    لكن مع حركة الخدمة النشيطة في الكنيسة في السنوات العشرين الأخيرة (هذا الكلام كُتِبَ في أواخر التسعينيّات من القرن العشرين)، وإقبال الشعب القبطي على شراء أيّ شيء من مكتبات الكنائس والأديرة... بدأ يَظهر نشاذ في النغمات في بعض الأماكن، فصار الربح المادّي يتحكّم في تسويق الكتب، ووسائل الإيضاح الأخرى، حتى أنّ الكتب ذات الربحيّة المنخفضة (أقل من 20%) لا تَجِد مَن يَقبَل عرضها في مكتبته، بصرف النظر عن القيمة الروحيّة التعليميّة لمادة الكتاب..!

    وأحيانًا نُفاجَأ بأنّ المكتبات قد تحوّلت إلى قاعات عرض للهدايا والتُحَف والمشغولات.. وانزوَت الكتب إلى أركان المعرض... ويَفرح الخُدّام القائمون على هذه الخدمة بزيادة الرصيد، ويطالبون بتوسيع مساحة العرض، ويعتبرون وفرة الربح علامة للنجاح.. وهذه خدعة كبرى.. فالنجاح الحقيقي هو تحقيق الهدف؛ بتوصيل كلمة الخلاص، وتعاليم الكنيسة لكلّ عضو فيها.. الطفل، والشيخ، الشاب والفتاة..!

    حدث في أحد الأيّام أن اتّصل بي أحد الخدام المباركين المسؤولين عن خدمة الطفولة في إحدى إيبارشيات الدلتا، وكان صوته يحمل مزيجًا من الدهشة والمرارة، إذ أنّه قام بإصدار خولاجي مُصَوَّر لخدمة قُدّاسات الأطفال، وعندما ذهب لإحدى مكتبات الكنائس الشهيرة بالإسكندرية لوضع بعض نسخ من الكتاب للعرض بها، فاجأه المسؤولون بالرفض والجفاء، دون أي استعداد للمناقشة.. ولما ذهب لعرض الكتاب على مكتبة الكنيسة المرقسيّة، دون عِلمي، قوبِلَ بترحاب هادئ وتفهم، وفي الحال أخذت منه المكتبة كمّية من الكتاب.. وهو يشكرني على هذا الوضع المشجِّع الموجود بالكنيسة التي أخدم بها، ويُعرِب عن استيائه من التصرفات الغريبة، والأساليب غير الروحيّة التي تنتهجها الآن بعض المكتبات..!

    لكي نتفادى مثل هذه السلوكيّات، يجب أن يتحلّى الذين يتمّ اختيارهم لقيادة هذه الخدمة بمستوى عالٍ من الوعي الروحي والثقافي.. يؤمنون برسالة الكلمة، ويتفهّمون احتياجات الكنيسة بكلّ فئاتها، ويتمتعون بعقليّات ابتكاريّة خلاّقة.. لكي ينجحوا في تزويد البيت القبطي بما يحتاجه من كلمة حيّة مكتوبة، بأقلّ التكاليف..!

    هنا أيضًا يأتي دور المكتبات في الطبع والنشر.. فهو دور هام ومطلوب جدًّا، إذ هو يُحَوِّل المكتبات من مجرد مَعارض، إلى مراكز إشعاع روحي، وينابيع تتدفّق بالمياه الحيّة.. مع الوضع دائمًا في الاعتبار أن يكون تسعير الكتب بما يقارب سِعر التكلفة لضمان وصول الكتاب إلى القاعدة الشعبية.. لأنّ سعر الكتاب المرتفع، غالبًا ما يُشكِّل عائقًا يحول دون شرائه..!

    كلّ اشتياقي أن تعود المكتبات إلى وضعها الأصيل كمركز جذب وتغذية روحية داخل الكنيسة، بحيث لا يخرج أحد من الكنيسة دون أن يعرج على المكتبة، ليتزوّد بما يقتات به فكره، وتَشبَع به روحه.

(المرجع: كتاب مؤسّسة لا تهدف إلى الربح - طبعة عام 2000م - للمؤلّف)

القمص يوحنا نصيف

+   +   +

   * الصورة من داخل مكتبة كنيسة مارجرجس سبورتنج، اثناء زيارة لبطريرك إريتريا الأسبق للإسكندريّة، ومعه وفد من كنيسته. وذلك حوالي عام 2004م. وقد كنتُ مُكلَّفًا بتريب زيارته لبعض كنائس الإسكندريّة.

   يظهر في الصورة القمّص شاروبيم الباخومي وكيل بطريركيّة الإسكندريّة آنئذ، ويظهر فيها أيضًا المتنيّح الدكتور تادرس أنور أمين المكتبة في ذلك الوقت.