بمناسبة قراءات الأحد الرابع من الخمسين المقدّسة

                 اقتناء مجد المسيح

    في حديث معلّمنا القديس بولس مع أهل تسالونيكي، أوضح أنّ غاية الإيمان المسيحي والبشارة بالإنجيل هي اقتناء مجد المسيح القائم من الأموات، عندما قال:

    "يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَشْكُرَ اللهَ كُلَّ حِينٍ لأَجْلِكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمَحْبُوبُونَ مِنَ الرَّبِّ، أَنَّ اللهَ اخْتَارَكُمْ مِنَ الْبَدْءِ لِلْخَلاَصِ، بِتَقْدِيسِ الرُّوحِ وَتَصْدِيقِ الْحَقِّ. الأَمْرُ الَّذِي دَعَاكُمْ إِلَيْهِ بِإِنْجِيلِنَا، لاقْتِنَاءِ مَجْدِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ." (2تسا2: 13-14).

    هذه هي دعوة الله لنا.. هو يدعونا لاقتناء مجده.. يا له من كرامة عظيمة لنا نحن التراب والرماد..؟!

    عندما نسبّح الله ونمجّده في حياتنا، فإنّنا نمتلئ من مجده، بحسب قول المزمور: "يمتلئ فمي من تسبيحك، اليوم كلّه من مجدك" (مز71( ولذلك أجمل ما نبدأ به يومنا هو أن نرفع المجد لله، ولعلّ هذا ما تعلّمه لنا الكنيسة كلّ يوم في مقدّمة صلاة باكر، عندما نصلّي، كما جاء في النص الأصلي القبطي، قائلين:

    "احفظنا ولنُمَجّد تمجيدًا حسنًا".

    من ناحيةٍ أخرى، نجد أنّ العالم والناس يعرضون علينا مجدًا باطلاً مزيّفًا زائلاً.. يتمثّل في المديح الزائد، والتعظيم بالألقاب، والإشادة بالإنجازات، ولكنّ السيّد المسيح علّمنا أن نرفض من داخلنا هذا النوع من المجد، عندما قال:

    "مجدًا من الناس لست أقبل" (يو5: 41)، بل ووبّخ اليهود قائلاً: "كَيْفَ تَقْدِرُونَ أَنْ تُؤْمِنُوا وَأَنْتُمْ تَقْبَلُونَ مَجْدًا بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَالْمَجْدُ الَّذِي مِنَ الإِلهِ الْوَاحِدِ لَسْتُمْ تَطْلُبُونَهُ؟" (يو5: 44).. وهنا من الواضح أنّ قبول المجد الأرضي في القلب يدَمّر الإيمان..

    أمّا أولاد الله فيعرفون أنّ "مجد السماويّات شيء ومجد الأرضيّات آخَر" (1كو15: 40)، ويفهمون القيمة العظمى لمجد المسيح الذي هُم مدعوّون لاقتنائه، لهذا فهُم يطلبون هذا المجد الإلهي من كلّ قلوبهم، ويظهر ذلك في سلوكهم بكلّ وضوح، فنرى أنّ الذي يريد أن يقتني مجد ربنا يسوع المسيح:

   1- ينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبع الرب، ويتمسّك بالطريق الضيِّق عالمًا أنّه يؤدّي للمجد الأبدي.

   2- يسعى لتمجيد الله في كلّ أعماله، وهو يقول مع القدّيس يوحنّا المعمدان: " يَنْبَغِي أَنَّ ذلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ" (يو3: 30).

   3- يحبّ العطاء بسخاء في الخفاء، بل وأحيانًا يقبل سلب أمواله بفرح عالِمًا أنّ له مالاً في السموات أفضل وباقيًا (عب10: 34).

   4- لا يحبّ الأضواء، بل يعمل الخير للجميع في هدوء وبلا ضجيج.

   5- يتحدّث عن الله وأعماله العظيمة، وليس عن نفسه وإنجازاته.. ويعطي الفرصة كاملة لله لكي يعمل فيه وبه، فيصير آداة بِرّ في يد الله (رو6: 13).

   6- يضع أمام عينيه دائمًا مجد السمويّات، فتتضاءل أمامه كلّ أمجاد الأرض.

   7- لا يهتمّ بتكريم الناس له، ولا يحبّ أن يمدحه أحد حتّى لا يضيع منه أجره السماوي، فلا يكون مِثلَ أناسٍ أضاعوا أنفسهم " لأَنَّهُمْ أَحَبُّوا مَجْدَ النَّاسِ أَكْثَرَ مِنْ مَجْدِ اللهِ" (يو12: 43).

   8- يكون دائمًا شجاعًا في الحقّ، ولا يطلب أن يُرضي الناس على حساب الحقّ عاملاً بقول الرسول: "لَوْ كُنْتُ بَعْدُ أُرْضِي النَّاسَ، لَمْ أَكُنْ عَبْدًا لِلْمَسِيحِ" (غل1: 10).

   9- يحبّ تنفيذ الوصيّة من كلّ قلبه، ويراجع سلوكه دائمًا على ضوئها، عالمًا أنّها الطريق للمجد.

   10- يجاهد يوميًّا لتتميم الرسالة التي اختارها له الربّ يسوع، لكي يقول في نهاية رحلة حياته مع القدّيس يوحنّا المعمدان: "فَرَحِي هذَا قَدْ كَمَلَ" (يو3: 29).