صلوات الإكليل المقدّس

    منذ حوالي 15 عامًا، ذهبت من الإسكندريّة إلى القاهرة، لحضور صلاة إكليل واحد من أعزّ أصدقائي بإحدى كنائس مصر الجديدة. وكان يحضِر الإكليل عدد من الآباء الكهنة، مع ثلاثة من الآباء الأساقفة..

    كان حاضرًا في الإكليل أيضًا عددٌ من غير المسيحيّين، مع مجموعة متنوّعة من كافّة أطياف المجتمع..

    الأمر المؤسف أنّ صلوات الإكليل كانت في وادٍ، وكان الحاضرون في وادٍ آخَر؛ فلم يكُفّوا عن الكلام، لدرجة أنّ صوت الصلوات لم يكُن مسموعًا تقريبًا..!

    كان هناك شماس واحد مُكلَّف بالمردّات، وكان أسلوبه غريبًا جدًّا.. فهو يضع الميكروفون في فمه، ويقول بطريقة يستحيل أن يقول معها أحدٌ.. فهو يصلّي بسرعة وبتشويه متعمَّد للّحن (كَلْفَتَة) حتّى لا يقول معه أحد.. مع أنّ ما يقوله هو في الأصل مردّ الشعب، وليس مردّ الشمّاس..!

    كلّ هذا كان يحدُث على مرأى ومسمع من الآباء الكهنة، والآباء الأساقفة الثلاثة، والحقيقة أنّي لم أرَ على وجوههم أيّ شيء من الضيق لِما يحدث من انتهاك واضح لقدّاس الإكليل، وكأنّ هذا هو الوضع الطبيعي..!

    كان جميع الناس يتحدّثون ويوزِّعون الابتسامات، بل ويتحرّكون أثناء الصلاة، وكأنّنا لسنا داخل كنيسة.. وهذا بالحقيقة ضايقني جدًّا.. لأنّ ما أفهمه هو أنّ المسيح حاضر لمباركة هذا السرّ العظيم، ومن المهمّ أن نحترم حضوره، ونحتفظ بوقارنا وتركيزنا أثناء الصلاة له..!

    جاءتني فكرة لإحداث بعض التغيير في هذا الوضع، قمتُ بتنفيذها على الفور، وكانت الفكرة أنّي أطلب قراءة الإنجيل.. وبالفعل استأذنت من أقدم الآباء الأساقفة الموجودين، فرحّب بذلك.. وحاولتُ أن يكون صوتي قويًّا وواضحًا أثناء القراءة بالنغمات المعروفة، وهنا لأول وآخر مرّة، أثناء ذلك الإكليل، سكتَ الناس وأنصَتوا لسماع الإنجيل المقدّس.. وبعد انتهائه عاد الكلام ورجعت الحركة مرّة أخرى..!

    كانت تجربة صعبة، لم أعتَد عليها من قبل.. لأنّ صلوات الإكليل التي اعتدنا أن نصلّيها بالإسكندريّة، نعطيها وقارًا وتركيزًا أفضل من ذلك بكثير.. فمهما كان عدد الحاضرين للإكليل كبيرًا، نكون حريصين على احترام الصلاة، بل ونرفع قلوبنا بكلّ وقار شاعرين بحضور المسيح معنا، وهكذا يتعزّى ويصلّي الجميع، ويأخذون بركة حضور سرّ الإكليل المقدّس.

    تذكّرت هذه الحادثة الآن، ونحن في فترة الخمسين المقدّسة، وهي فترة تكثر فيها الأكاليل، ولذلك لعلّي أنتهز الفرصة لتدوين بعض الملاحظات:

     1- صلوات الإكليل لها قدسيّتها، وينبغي أن يتمّ التعامُل معها بكلّ خشوع ووقار وتركيز في الصلاة.. وهذا سيحفظ روحانيّة الكنيسة، وسيفيد جميع الحاضرين.. مع ملاحظة أنّ جميع الأسرار لها فاعليّتها، بصرف النظر عن القامة الروحيّة للخُدّام الذين يقومون بها، أو مستوى جودة الأداء.. إذ أنّ الله دائمًا أمين في تتميم عمله، حتّى وإن كُنّا في بعض الأوقات غير أمناء في أداء ما علينا.

     2- صلوات الأكاليل والجنازات هي من الصلوات التي يحضرها عادةً الكثير من غير المسيحيّين، ولذلك فهي فرصة طيّبة لكي يلمسوا بأنفسهم جمال وعُمق وروحانيّة صلوات الكنيسة.. أمّا إن كان النموذج الموجود أمامهم ضعيفًا، مثل الإكليل الذي ذكرته، فنحن بهذا نقدّم لهم صورة مشوّهة عن كنيستنا القبطيّة الأرثوذكسيّة الحبيبة.. وأتجاسر وأقول إنّ في هذا شِبه خيانة لأمّنا الكنيسة الغالية.

     3- الالتزام بالهدوء، من ناحية الكلام والحركة، هو أمر أساسي لا ينبغي التهاون معه أثناء جميع صلواتنا الليتورجيّة.. حتّى وإن كان البعض لا يحضر الإكليل للصلاة، بل فقط للمشاهدة.. ولكن إنْ احترمنا صلواتنا سيحترمها القريب والغريب.

     4- الصوت لابد أن يكون واضحًا، ليس قويّا مزعجًا ولا ضعيفًا، وكلمات الصلاة والقراءات مُفسَّرة جيِّدًا.. وكلّما كان أداء الصلوات والألحان بطريقة نشيطة ليس بها تطويل، كلّما ساعد ذلك على التركيز، فتزيد الفائدة.

     5- المسؤول الأوّل عن صلوات الإكليل، لتكون بطريقة روحانيّة مُفرِحة، هو الكاهن الخديم أو الأب الأسقف إن كان حاضرًا.. فمن واجبهم ضبط كلّ شيء، لكي تكون الصلاة بنظام وخشوع ووضوح.. ويمكن أن يتمّ إيقاف الصلوات للحظات إن حدَث انتهاك لقواعد السلوك اللائق بالتواجُد داخل الكنيسة أثناء الصلاة.. والتنبيه بلُطف على الحاضرين، لأهمّية احترام بيت الله، والتركيز في كلمات الصلاة والقراءات.

     6- احترام موعِد بدء صلوات الإكليل، أيضًا له أهمّيته.. فالتأخير عن الموعِد يصيب الجميع بالتوتُّر، وقد يضطرّ الأب الكاهن إلى اختصار بعض الصلوات، أو تأديتها سِرًا.. أو الإسراع الشديد في الصلاة، مِمّا يُفقِدها روحانيّتها تمامًا..!

     7- إذا ارتفعنا كلّنا في فهمنا لقيمة صلوات الإكليل، وكيف أنّه سرّ عظيم يحضر المسيح فيه بنفسه، ويحلّ الروح القدس فيه ليوحِّد العروسين ويبارك الحاضرين.. فلا أعتقد أنّه سيكون هناك أبدًا جدال حول الحضور بملابس غير لائقة، وغيرها من تلك الأمور.. بل سيحرص الجميع على الحضور بوقار، والتركيز في الصلوات، من أجل أن يمنح الربّ العروسين حياة مملوءة بالفرح والسلام والمحبّة والتفاهم، ليكمّلوا كلّ أيام حياتهم بالقداسة في خوف الله.