من كنوز القديس كيرلس عمود الدين (54)

            شفاء مُستَسقٍ يوم السبت

    جاء في إنجيل القدّيس لوقا أنّ الربّ يسوع كان في زيارة لبيت أحد رؤساء الفرّيسيّن، وهناك وجد إنسانًا كان يعاني من مرض الاستسقاء، فسأل الناموسيّين والفرّيسيّين الحاضرين: هل يحلّ الإبراء في السبت؟ فسكتوا. فامسك الرجل وأبرأه وأطلقه (لو14: 1-6). ويُعَلِّق القدّيس كيرلّس الكبير على هذا الموقف، فيقول:

    + إنّ فرّيسيًّا من طبقة عالية فوق العادة، دعا يسوع إلى وليمة. ومع أنّ الربّ كان يعرف خبثهم مضى معه، واشترك معهم في الطعام. هو أذعَنَ لهذا الأمر تنازُلاً منه، وليس لكي يكرِّم مَن دعاه، بل بالحريّ لكي ينفع أولئك الذين كانوا في صُحبة الفرّيسي.

    + يقول الإنجيل أنّهم كانوا يراقبونه، وعلى أيّ أساس؟

    لكي يروا إن كان يتجاهل الإكرام الواجب للناموس، وهكذا يفعل شيئًا أو آخَر من الأشياء الممنوعة في السبت.

    لكن أيّها اليهودي عديم الشعور، اِفهمْ أنّ الناموس كان ظِلاًّ ومثالاً ينتظر مجيء الحقّ. والحقّ هو المسيح ووصاياه. فلماذا تتمسَّك بالمثال، وتُشهِره كسلاح ضدّ الحقّ؟ لماذا تجعل الظلّ مُقاوِمًا ومُضادًّا للتفسير الروحاني؟ احفظ سبتك بتعقُّل.

    + الراحة الحقيقيّة التي يطلبها مِنّا مَن أعطى الناموس لموسى في القديم، هي أن نكُفّ عن خطايانا، ونستريح من آثامنا، ونغسل ذنوبنا.. ونهرب بعيدًا عن الطمع والنهب والمكاسب غير الشريفة ومحبّة الربح القبيح. وأن نجمع أوّلاً مُؤَنًا لنفوسنا لأجل الطريق؛ القوت الذي يكفينا في الدهر الآتي. ونعكف على الأعمال المقدّسة، وبهذا نحفظ السبت عقليًّا وروحيًّا.. فنُرضِي الله برائحة روحيّة طيّبة.. لأنّ هذه هي الذبيحة الروحانيّة المَرْضيّة عند الله.

    + يسأل الربّ الناموسيّين والفرّيسيّين إن كان يحلّ الإبراء في السبوت، أم لا؟ والكتاب يقول: إنّهم "سكتوا".

    + لماذا صَمَتَّ أيّها الناموسي؟ اُذكُر شيئًا من الأسفار يُبَيِّن أنّ ناموس موسى يلوم فِعل الخير في السبت! برهِن لنا أنّ الناموس يريدنا، من أجل راحة أجسادنا، أن نكون قُساة القلب وغير رحومين، أي أنّه يمنع الشفقة، وذلك من أجل إكرام السبت! إنّ هذا الأمر لا يُمْكِنك أن تُبَرهِن عليه، من أي جزء في الناموس.

    + إنّ إله الكلّ لم يتوقَّف من أن يكون عطوفًا، فهو صالح ومحبّ للبشر، ولم يؤسِّس ناموس موسى كوسيطٍ للقسوة، ولا أيضًا جعله مُعلِّمًا للخشونة والوحشيّة، بل بالأحرى كي يقودك إلى محبّة القريب.

    + المسيح لم يُعطِ انتباهًا لحسد اليهود وغيرتهم، بل هو أنقذ المريض المُصاب بالاستسقاء، وشفاه من مرضه المستعصي.

    + لقد رأيتَ أيّها اليهودي المعجزة، إذن فمَجِّد صانعها. أَدرِكْ قوّته وعظمة سلطانه. اعتَرِف أنّه هو الله. قدِّم له إيمانك، ولا تكُن مُعاندًا، بل كما يقول يوئيل النبيّ: "مزِّقوا قلوبكم لا ثيابكم" (يؤ2: 13). وَسِّع ذهنك وافتح عين قلبك، وافهم أنّ الأعمال التي يعملها هي أعمال الألوهية، حتّى لو كان هو إنسانًا مُشابِهًا لنا في المظهر.

    + اِعترِف بمَن لأجلنا لبسَ شبهنا، مع أنّه بالرغم من هذا هو أعلى مِنّا جدًّا، أو بالأحرى هو فوق كلّ الخليقة، بميلاده الذي لا يُنطَق به من الله الآب، لأنّه هو ابنٌ لمَن هو فائق على الكلّ. لكن ومع أنّه كان هو الربّ، فإنّه أخذ شكل العبد، لكيما يجعل العبد مشابِهًا له، لكنّه لم يتوقَّف عن أن يكون هو الله، بل ظلّ كما هو، والذي له تسجُد الملائكة والرياسات والعروش والربوبيّات، والسيرافيم يسبّحونه. فلنعبده نحن أيضًا بالإيمان، ونرتفع بمعونته إلى نصيب القدّيسين.

(عن تفسير إنجيل لوقا للقدّيس كيرلّس السكندري (عظة 101) - إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائيّة - ترجمة الدكتور نصحي عبد الشهيد)