بمناسبة قراءات الأحد الثاني من الخمسين المقدّسة (1)

          باقة من أقوال الآباء عن سرّ الإفخارستيا (1)

    يسعدني أن أقدّم في مقالين متتاليين باقة جميلة من أقوال آبائنا القدّيسين، معلّمي المسكونة، عن سرّ الأسرار، سرّ التناول من جسد المسيح ودمه.. كيف نفهمه؟ وكيف نستعدّ له؟ لكي ننال به خلاصًا وثباتًا في الحياة الأبديّة.....

أولاً: القدّيس أثناسيوس الرسولي (296-373م):

    + ليتنا لا نكتفي بمجرَّد أداء طقوس العيد، بل لنستعدّ للاقتراب من الحَمَل الإلهي، ولِلَمس الطعام السماوي. لنُنَظِّف أيّادينا ولنطهِّر أجسادنا، ولنحفظ فكرنا كلّه من الغشّ، ولا نستسلم للإفراط والشهوات، بل ليكُن كلّ اهتمامنا في الربّ وفي الأمور الألهيّة، حتّى نكون أنقياء بالكلّيّة، فنستطيع أن نتناول من اللوغوس! (الرسالة الفصحيّة الخامسة).

    + إنّنا نأكُل الخبز النازل من السماء، أي كلمة الله الحيّ، فيضمحلّ الموت حتّى يسمعنا نهزأ به: "أين حكمتك يا موت؟!" (الرسالة الفصحيّة الرابعة والعشرين).

    + نحن نتألّه (نتّحد بالله)، ليس باشتراكنا في جسد إنسان ما، بل بتناولنا من جسد اللوغوس نفسه. (الرسالة 61: 2 إلى مكسيموس).

    + حينما نتناول جميعًا منه هو بعينه، نصير جسدًا واحدًا، إذ يكون الربّ الواحد فينا. (ضدّ الأريوسيّين 3: 22).

ثانيًا: القدّيس كيرلّس الكبير (375-444م):

    + نقبل داخلنا كلمة الله الآب الذي تأنّس لأجلنا، والذي هو الحياة وهو المُحيي. (عظة 142 على إنجيل لوقا)

    + يا للسرّ المهيب! يا للتدبير الذي لا يُنطَق به! يا للتنازُل الذي لا يُدرَك!

الخالق نفسه يقدِّم نفسه لخليقته، لكي تتمتّع به!

    كُلوني أنا الحياة لتحيوا، لأنّي أريد ذلك.

    كلوا الحياة التي لا تفنى..

    لقد صرتُ مثلكم من أجلكم، دون أن أتغيَّر عن طبيعتي،

    لكي تصيروا بواسطتي شركاء الطبيعة الإلهيّة. (عظة 10 عن العشاء السرّي وخميس العهد).

    + لكي نتّحد نحن أيضًا اتّحادًا مع الله، ومع بعضنا البعض، بل ونمتزج أيضًا معًا.. ابتكر ابن الله الوحيد وسيلة خاصّة، أوجدها بحكمته اللائقة به.. فبواسطة جسد واحد، هو جسده الخاصّ، بارك المؤمنين به بالتناول السرّي، وجعلهم بذلك شركاء في الجسد معه، ومع بعضهم البعض. فمَن يستطيع أن يُفرِّق ويَفصِل من هذا الاتّحاد الكياني الذين ارتبطوا بالوِحدة في المسيح، بهذا الجسد المقدّس الواحد؟! (شرح إنجيل يوحنا - أصحاح17).

    + لأنّنا إن كُنّا جميعًا نشترك في الخبز الواحد، فإنّنا نصير جميعًا جسدًا واحدًا، لأنّ المسيح غير قابل للانقسام. ولهذا السبب بعينه قد دُعِيَت الكنيسة جسد المسيح، ونحن الأفراد نُدعَى أعضاءه.. لأنّ،ا حينما نتّحد جميعًا بالمسيح الواحد بواسطة جسده المقدّس، إذ نقبله في أجسادنا الخاصّة، وهو واحد وغير قابل للانقسام، فإنّ أعضاءنا تكون له أكثر مِمّا لنا. (شرح إنجيل يوحنا - الأصحاح 17).

    + الأمم صاروا "شركاء في الجسد" وشركاء المسيح في نوال الميراث (أف3: 6)، فبأيّ وسيلة استُعلِنوا "شركاء في الجسد"؟ حينما استحقّوا التناول من الأولوجيّة السرّية (الإفخارستيا)، صاروا جسدًا واحدًا معه. (شرح إنجيل يوحنا - الأصحاح 15).

ثالثًا: القدّيس هيلاري أسقف بواتييه (310-367م):

    + بينما هو في الآب بطبيعة لاهوته، نكون نحن فيه بسبب ميلاده بالجسد، وهو يكون فينا بسبب الأسرار المقدّسة.. لكي يُعلّمنا ما هي الوحدة الكاملة التي ننالها به كوسيط، إذ نكون فيه، بينما هو في الآب، ثمّ بينما هو في الآب يكون هو أيضًا فينا، لكي نَصِل بذلك إلى الاتحاد بالآب! (في الثالوث 8: 15).

المرجع: مع المخلّص في كلّ ما فعله من أجلنا - الكتاب الثاني - مركز باناريون للتراث الآبائي