من كنوز القديس كيرلس عمود الدين (52)

       القبر الجديد.. ومريم المجدليّة..

    للقدّيس كيرلّس الكبير عمود الدين تعليقات جميلة وغنيّة جدًّا، على أحداث القيامة، كما ذُكِرَت في إنجيل القدّيس يوحنّا. يسعدني أن أعرض لحضراتكم في هذا المقال بعض مقتطفات بسيطة منها:

    + إنّ القبر الذي كان في البستان، كان قبرًا جديدًا؛ وهو يُشير -كما في رمزٍ ومثالٍ- أنّ موت المسيح هو رائد لدخولنا نحن إلى الفردوس. لأنّه "دخل كسابقٍ لأجلنا" (عب6: 20).. والقبر الجديد يعني الطريق العجيب الذي لم يُطرَق مِن قبل، والذي بواسطته نعود من الموت إلى الحياة، ويُعني تجديد نفوسنا الذي أنشأه المسيح لأجلنا، والذي به نغلِب الفساد. لأنّ منذ أن مات المسيح فقد تحوّل الموت بالنسبة لنا، إلى رقاد. لأنّنا "أحياء لله" (رو6: 11)، وسنحيا إلى الأبد.

    + حينما ظهر آدم الثاني بيننا، الإنسان الإلهي من السماء، وبنضاله لأجل خلاص العالم، فإنّه اشترى بموته حياة كلّ البشر، وبإبادته لقوّة الفساد وقيامته إلى الحياة، تحوّلنا نحن إلى صورته.. إذ هو الحياة بالطبيعة، فكيف كان مُمكِنًا أن يَخضع للفساد؟ ألا يستطيع بالحري بسهولة كإله، أن يُحيي ذاك الذي تنقصه الحياة؟!

    + هذه المرأة الرائعة التقيّة (مريم المجدليّة).. كان إيمانها عميقًا وقويًّا، ولذلك فلم ينقُص المسيح في نظرها بسبب موته على الصليب، بل حتّى وهو ميِّت فهي تدعوه "الربّ"، كما كانت تدعوه قبل موته. وبهذا ظهر أنّ لها محبّة حقيقيّة لله.

    + كانت مريم المجدليّة، بسبب محبّتها للمسيح، متحرّرة من كلّ خوفٍ، ولم تُفكِّر في غضب اليهود، لذلك جلست تراقب القبر.. وتنوح ليس فقط لأنّ الربّ مات، بل أيضًا لأنّها ظنّت أنّ جسده اُخِذَ من القبر.

    + الدموع التي تُسكَب لأجل المسيح لا تضيع بدون مكافأة، ولا يمضي وقت طويل قبل أن تُثمِر محبّتنا للمسيح ثمرتها، فإنّ نعمته ومكافآته الغنيّة ستحيط بنا تمامًا في طريق الألم..

    + منحها المخلِّص أن تعرِف سرّه بفم الملائكة القدّيسين.. الملاكان قالا لها: "يا امرأة لماذا تبكين؟" وهما لم يكونا يسألان عن سبب بكائها.. ولكنّهما يطلبان منها أن تكفّ عن البكاء، لأنّ الوقت ليس وقت الدموع، ولأنّها جعلت القيامة التي هي سبب الفرح، سببًا للحزن. حقًّا يقولان لها: لماذا تبكين والموت قد قُهِرَ، والفساد فقد سلطانه، والمسيح مخلّصنا قد قام، وخلق طريقًا جديدًا يعود به الموتى من الفساد إلى الحياة.

    + رأت يسوع، ولكنّها لم تفكِّر أنّه هو الذي يقف بالقرب منها. لماذا؟

السبب في عدم معرفتها، إمّا لأنّ المسيح مخلّصنا أخفى، بقوّة لاهوته، نفسه عنها.. أو بسبب أنّ الوقت كان باكرًا جدًّا في الصباح، فلم تستطِع أن تميِّز بسهولة ما هو أمام عينيها، فالظلام الباقي منعها من ذلك، فلم تكتشف ملامح الشخص الذي كان يقترب منها.

    + كان من اللائق أن يردّنا الربّ إلى الفرح بهذه الطريقة؛ لأنّه بمعصية آدم الذي هو باكورة الجنس البشري سرى الحُكم إلى العالم كلّه: "إنّك تراب، وإلى تراب تعود" (تك3: 19).. كان من الضروري أنّ ذات الفم الذي أصدر الحكم، هو نفسه الذي يرفع ثقل اللعنة القديمة، وهو المسيح مخلّصنا، الذي يمسح الآن الدموع من عيون المرأة، بل بالحريّ مِن كلّ النساء، عن طريق مريم المجدليّة التي هي كباكورة لهنّ.

    + إنّه يناديها لكي يجعلها تتعرّف عليه، فقد استنار عقلها حينما ناداها، ثمّ سمح لها أن تتفرّس فيه بدون مانع أو عائق، لأنّها أحبّته محبّة شديدة.. وإذ قد امتلأ عقلها بفرح سماوي، أسرعت بشوق شديد لكي تُمسِك جسده المقدّس، وتنال منه بركة.

    + لقد فاقت محبّة مريم المجدليّة للمسيح جميع الآخرين، وهذا ربّما ما جعل يوحنّا (الإنجيلي) يذكرها هي وحدها من بين النساء الأخريات.. والمخلّص أعطي لمريم كرامةً ومجدًا وشُهرةً دائمة، بأن منحها القيام بواجب البشارة لإخوته، حاملةً لهم الأخبار السارّة..

عن شرح إنجيل يوحنّا للقدّيس كيرلّس السكندري (المجلّد الثاني 2012) - إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائيّة - ترجمة الدكتور نصحي عبد الشهيد