بمناسبة أحد الشعانين. هيّا نعيِّد..!

يسعدني أن أقدّم في هذا المقال بعض مقتطفات، من عظة جميلة للقدّيس إبيفانيوس أسقف قبرص (315-403م)، عن دخول السيّد المسيح إلى أورشليم يوم أحد الشعانين. وقد وضعتُ بعض العناوين الجانبيّة لإيضاح الأفكار.. وسنلاحظ الأسلوب الأدبي اللطيف الذي تتميّز به كتابات ق. إبيفانيوس:

* الاحتفال بالعيد:

   ليكُن فرحُكِ عارمًا يا ابنة صهيون..

   اشكري وتهلّلي يا كنيسة المسيح بأجمعها،

   لأنّ الملك يأتي إليكِ من جديد..

   عريسُكِ يأتيكِ جالسًا على جحشٍ، كما على عرش.

   لنخرج لاستقباله، لنُسرِع ونرى مجده، لنلحق به ونكرِّم دخوله فرحين.

   مرّة أخرى يأتي لخلاص العالم. مرّة أخرى يأتي الله ليُصلَب.

   ملك صهيون، رجاء الأمم، يأتي من جديد إليها ويمنح الخلاص للعالم.

   مرّة أخرى يفتقدنا النور، وتنحلّ اللعنة، وتُزهِر الحقيقة..

* هيّا نعيِّد:

   لنُرتِّل ملائكيًّا لإله الملائكة..

   لنصرخ مع الأطفال ومع الشعب أيضًا، صرخة الجموع، ونقُل: "أوصنّا في الأعالي! مبارك الآتي باسم الرب!"

   لقد ظهر الله والربّ مثل نور، وأشرق علينا نحن الجالسين في الظلام وظلال الموت.

   ظهر الإصلاح للذين سقطوا، وكذلك الخلاص للمأسورين.

   ظهر النور للعميان، التعزية للمحزونين، الراحة للمُتعبين، الارتواء للعطشى، العدل للمظلومين، الخلاص لليائسين، الوحدة للمنشقّين، الشفاء للمرضى، السلام للواقعين في وسط العاصفة.

   لنصرخ اليوم إلى المسيح: أُوصنّا (هوشعنا) الذي معناه خلِّصنا أيّها الإله السماوي.

* الكنيسة هي الفردوس الجديد:

   اليوم تعيِّد الكنيسة بأسرِها. تعيِّد عيد الأعياد. وعندها في الوسط ملك القوّات.. بمثابة عريس وملك..

   تعيِّد عيدًا كزيتونة مُثمرة، في حديقة الله، زيتونة تُظلِّل بأوراقها الدائمة..

   حيث المسيح.. هناك الكرمة الحقيقيّة.. هناك الرحيم الذي يرحم حقًّا كلّ الواضعين رجاءهم فيه.

   هناك أزهَرَ الغصن الذي قبل الأزل، من جذر يسّى (إش11)..

   هناك النبع الذي لا ينضُب، حيث لا يوجد فيصون وجيعون، دجلة والفرات (أنهار جنّة عدن)، بل يوجَد متّى، مرقس، لوقا ويوحنّا الذين يروون بستان كنيسة المسيح.. فنحن، مغروسون في حقل المسيح..

* تهلّلي يا كنيسة المسيح:

   عيّدي يا كنيسة المسيح.. لقد مضى القديم، وها كلّ شيءٍ قد أصبح جديدًا..

   افرحوا وابتهجوا يا فتيان المسيح، تهلّلي يا كنيسة المسيح، عيِّدي يا فتاة الله، وكوني شاكرة.

   لقد أصبح مجدك لا يزول، كونك ابنة المسيح الملك، داخليّا وخارجيًّا.

   لستِ بعد أرملةَ أحدٍ، بل عروس الله تُزهرين.. زهرة المعرفة الإلهيّة.

   لم يدنّسك دم الأصنام، بل دمُ اللهِ يختمك.

   افرحي إذًا وابتهجي يا ابنة صهيون. كوني شاكرة. ارتكضي وتهلّلي يا كنيسة الله بأسرها.

   اعتبري المزامير أناشيدَ ملائكيّة، والأطفال حِملانًا حديثة السنّ ترنِّم للمسيح: أوصنّا لإله السماء، مبارك هو الآتي.

   معهم صفّقي بالأيادي برعدة، وازأري كالأسد بأقوال العيد الشكريّة: هاأنذا والأولاد الذين أعطانيهم الله، أنا التي كنتُ قبلاً عاقرًا لا تلد ولا معنى لها.

   مبارك الذي أتى والآتي باسم الله. هو إلهنا وربّنا الذي ظهر لنا. الذي لا يسعه مكان..

   مبارك الآتي دون أن يبتعد عن السماء.

   مباركٌ بما يليق هذا الذي سوف يأتي من جديد بعظَمةٍ إلهيّة.

   مباركٌ هو الآتي من أجلي رمزيًّا، راكبًا على جحشٍ، كما على الشاروبيم.

* مفارقات عجيبة:

   يا لها من أشياءٍ جديدة، وعجائب غير متوقَّعة للعيد!

   الأولاد كاللاهوتيّين يصِفون المسيح كإله، والكهنة يشتمونه.

   الأطفال الرضّع يسجدون له، والمعلّمون يُظهرون إلحادًا.

   الأولاد يُنشِدون أُوصنّا، والعبرانيّون يصرخون ليُصلَب!

   هؤلاء يأتون بالسّعف إلى المسيح، وأولئك يقتربون منه بالسيوف.

   هؤلاء يقطعون الأغصان، وأولئك يُهيِّئون خشبة الصليب.

   الأولاد يفرشون ثيابهم للمسيح، والكهنة يمزِّقون ثياب المسيح.

   الأولاد يرفعون المسيح على الجحش، والشيوخ يُصعِدونه على الصليب.

   الأولاد يسجدون لأقدام المسيح، وأولئك يسمّرون قدميه بالمسامير.

   الأولاد يوجِّهون إليه التسبيح، والآخَرون يقدّمون له الخلّ.

   الأولاد يهدونه الإكرام، وأولئك المرارة.

   الأولاد يحرِّكون السعف، وأولئك يطعنونه بالرماح..

   الشعب الجديد الذي من الأمم خضع لربّه، وإسرائيل وحده لم يعترف بالمسيح إلهه.

   القبائل المتوحِّشة قبلاً أصبحت صديقةً له، والأثَمَة قديمًا خضعوا للناموس، إلاّ أنّ أهل الناموس أضحوا عاصين له.

* أسئلة إلى الأطفال:

   أتجرّأ وأُوَجِّه أسئلتي إلى هؤلاء الأطفال الإلهيّين:

   ماذا تقولون يا أولاد الله المُسبّحين إيّاه؟

   كيف توازون بأنفسكم تسبيح الشاروبيم؟

   كيف وأنتم تشاهدون المسيح على الجحش كإنسانٍ، تصرخون كما يليق بالله: أُوصنّا في الأعالي؟

   نعم، يُجيب الأولاد باللسان الإلهي:

   المسيح جالس على جحشٍ حقيقيّ، لكنّه لم يبتعد أبدًا عن الأحضان الأبويّة.

   يجلس على الجحش، دون أن يغادر عرش الشاروبيم.

   هذا المتجسِّد الذي لا يفارق المائتين، يوجَد في الوقت نفسه في السماء، إلهًا حقيقيًّا سيّد كلّ العالم والأمم، رازقًا، خالقًا، مُرشدًا، مُخلِّصًا الجميع.

   هذا الذي يدخل أورشليم الأرضيّة، دون أن يفارق السماويّة.

     + بركة هذا العيد العظيم تملأ قلوبنا بالفرح والسلام.

     وكلّ عام وأنتم في ملء نعمة الله،،

* المرجع: كلمات آبائيّة 2 - دير مار مخائيل - منشورات النور 1995م.