البنوّة لله

يلذّ لي أن نتمتّع معًا في هذا المقال ببعض كلمات ذهبيّة، من نَسَمات الروح القدس على فم القدّيس كيرلّس الكبير، في تعليقه على ما جاء في إنجيل يوحنّا: "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ وُلِدُوا." (يو1: 12-13).

+ حيث أنّهم قد قَبِلوا الابن، فقد نالوا السُّلطان أن يُعَدّوا من أولاد الله.. الابن وحده هو الذي يُعطِي ما يخصّ طبيعته، ليصير خاصًّا بهم؛ جاعِلاً ما يخصّه مشتَرَكًا وعامًّا بينهم، لتكون هذه هي صورة طبيعة محبّته للإنسان وللعالم.

+ ليس هناك وسيلة أخرى غير هذه تجعلنا نحن الذين لبسنا "صورة الترابي" نهرب من الفساد، إلاّ إذا خُتِمنا بجمال صورة السمائي (1كو15: 49) بدعوتنا إلى البنوّة.

+ لأنّنا عندما نشترك فيه بالروح القدس، نُختَم لنكون مثله، ونرتفع إلى الصورة الأولى، التي أخبرَتْنا الكتب المقدّسة أنّنا خُلِقنا عليها. وبذلك نكون قد استعَدنا جمال طبيعتنا الأولى، وخُلِقنا من جديد، لنكون على مثال الطبيعة الإلهيّة. ونصير مُرتفعين فوق الأمراض التي أصابتنا بسبب السقوط.

+ إذن نحن نرتفع إلى كرامة أسمى من طبيعتنا، بسبب المسيح، لأنّنا سنكون أيضًا أبناء الله. ليس مثله تمامًا، بل بالنعمة وبالتشبُّه به. فهو الابن الحقيقي، الكائن مع الآب منذ الأزل، أمّا نحن فبالتبنّي بسبب تعطّفه، ومن خلال النعمة التي أخذناها.

+ إذن هو الابن بالحقّ والطبيعة، ونحن صرنا به أبناء أيضًا، وننال الخيرات بالنعمة، دون أن تكون هذه الخيرات هي من طبيعتنا.

+ بسبب كلّ هذا، أضاف الإنجيلي.. أنّهم أخذوا السلطان من الابن لكي يكونوا "أولاد الله" فنالوا ما لم يكُن لهم من قَبْل، بواسطة "نعمة التبنِّي". وبدون أيّ تشكُّك يُضيف "وُلِدوا من الله"، لكي يوضِّح عِظَم النعمة التي أُعطِيَتْ لهم، ويجمع ذلك الذي كان غريبًا عن الله الآب (الإنسان)، ليُدخِله في قرابة الطبيعة معه، ويرفع العبد إلى كرامة سيّده، بواسطة محبّة الرب القويّة للإنسان.

+ الذين بالإيمان بالمسيح، يَصِلون إلى البنوّة التي من الله، فإنّهم يعتمدون للثالوث القدّوس نفسه، وبواسطة الكلمة كوسيط، الذي اتّحد بما هو إنساني أي بالجسد، وفي نفس الوقت هو واحد مع الآب بلاهوته، وهذا يجعلنا نرتفع من رتبة العبوديّة إلى البنوّة. وبالاشتراك الحقيقي في الابن، دُعِينا إلى أن نرتفع إلى كرامة الابن. لذلك فنحن الذين أخذنا الولادة الجديدة بالروح القدُس بالإيمان، قد دُعينا أبناء لأنّنا وُلِدنا من الله.

+ نحن مستحقّون بالإيمان بالمسيح أن نكون شركاء الطبيعة الإلهيّة، ومولودين من الله، ومدعوّين آلهة، وليس بفضل النعمة فقط وحدها نرتفع إلى المجد الذي فوق طبيعتنا، بل لأنّه قد صار لنا الآن سُكنى الله وإقامته فينا.

+ يَسكُن الروح القدس فينا، وهو ما جعل الرسول بولس يدعونا هيكل الله (1كو3: 17).. والذي بسبب سُكناه ننال كلّ ما يخصّ الله الآب بالطبيعة، وما يخصّ ابنه الوحيد بالمِثل.

+ أليس واضحًا للجميع أنّه نزل إلى مستوى العبوديّة، دون أن يفقد ما يخصّه كإله. بل مانحًا ذاته لنا، لكي بفقره نصير أغنياء (2كو8: 9)، ونرتفع إلى فوق إلى شَبَهِهِ، أي شَبَهِ صلاحِهِ، ونصير آلهةً، وأبناءَ الله بالإيمان.

[شرح إنجيل يوحنا للقدّيس كيرلس الكبير. المركز الأُرثوذكسي للدراسات الآبائيّة بالقاهرة]