عن حقيقة العقوبة الأبديّة

هناك سؤال يتمّ تداوله بين البعض، ملخّصه: كيف يسمح الله بالعذاب الأبدي للناس، في حين أنّه محبّ البشر؟!

كان هذا التساؤل والتشكيك موجودًا منذ أيّام القدّيس يوحنا الذهبيّ الفم، وقد ناقشه وردّ عليه بشكل مطوّل في شرحه لرسالة روميّه، انتقيت لكم في هذا المقال بعض المقتطفات البديعة من كلامه..

+ لنتذكّر دائمًا المنبر المخوف، وبحيرة النار، والقيود التي لا تُحَلّ، والظلام الحالك، وصرير الأسنان، والدود السامّ الذي لا يموت.. قد يقول قائل: لكنّ الله محبٌّ للبشر، وبناء على ذلك، فإنّ هذه الأمور هي مجرّد كلام. إذًا (إن كان الأمر كذلك) فلا ذلك الغني الذي ازدرى بلعازر سيُعاقَب، ولا العذارى الجاهلات سيُطرَدنَ من العُرس، ولا الذين لم يُطعِموه سيذهبون إلى النار التي أُعِدَّت للشيطان.. ولا ما قيل عن الزُّناة هو أمرٌ حقيقيٌّ.. بل إنّ كلّ هذا هو فقط تهديدات!

+ أخبرني، مِن أين لك بكلّ هذه الجرأة؟ وكيف تبرهِن على أمرٍ بهذا الحجم، وأن تُصدِر الحُكم من خلال حُجج خاصّة بك؟ لكنّني أستطيع من خلال كلّ ما قاله (الرب)، وكلّ ما فعله، أن أبرهِن على العكس. إذًا لو أنّك لا تؤمن بما سيحدُث في المستقبل، فعلى الأقل آمِن بتلك الأمور التي حدثت بالفِعل، خاصّةً وأنّها ليست مجرّد تهديدات وكلام.

+ مَن الذي غمر كلّ المسكونة، وأحدث ذلك الطوفان المُخيف، ودمّر كلّ جنسنا البشري؟ ومَن ألقى تلك الصواعق المُخيفة والنار من السماء على سدوم بعد كلّ ما حدث؟ مَن أنهَكَ مصرَ كلّها؟ مَن أهلك الستمائة ألف في البرّيّة؟ ومَن أمَرَ الأرض أن تفتح فاها لتبتلع أولئك الذين كانوا مع قورح وداثان؟... وتعرفون جميعكم كيف عوقِبَ حنانيا وسفيرة، لأنّهما اختلسا جزءًا من ثمن الحقل...

+ إن كان الله عادلاً، وهو بالحقّ كذلك، فأنت أيضًا ستُدان على كلّ حال، طالما أنّك تُخطئ، فإذا كنتَ ترى أنّ الله لا يُعاقِب باعتباره محبّ البشر فلا يجب لهؤلاء أيضًا أن يعاقَبوا.. فإنّ الله سيُعاقِب كثيرين هنا، لكي تؤمنوا بتلك الأمور المُختصّة بالعقاب (الأبدي)..

+ (الله) يصحّح مسار اللامبالين في كلّ عصر، عن طريق تلك الأمور.. لقد مات البعض عندما سقط فوقهم البرج، وهُنا يقول لأولئك الذين يتشكّكون (في العقاب الأبدي) "أتظنّون أنّ هؤلاء كانوا مُذنبين أكثر من جميع الناس؟ كلاّ أقول لكم، بل إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون" (لو13: 4-5) ناصِحًا إيّانا، ألاّ تأخذنا الجرأة، عندما يُدان البعض، متصوّرين أنّنا لا نُدان، على الرغم من أنّنا نصنع خطايا كثيرة، لأنّه إن لم نتغيّر، فإنّنا سنُدان حتمًا.

+ أخبرني، هل الدليل على محبّة الله للبشر، هو ألاّ يدين الشرّ، وأن يُعطِي له مكافأةً؟ هل يَعتبِر العفيف والفاسق، والمؤمن والجاحد، بولس والشيطان، مستحقّين لنفس الكرامة؟... إذًا لا تخدعوا أنفسكم، وتقتنعوا بكلام الشيطان، لأنّ هذه أفكاره. فإذا كان القُضاة والسّادة، والمُعلِّمون.. يكرمون الصالحين، بل ويعاقبون الأشرار.. فكيف يفعل الله عكس ذلك، ويتساوى الصالح مع الشرّير أيضًا؟!

+ أتكلّم عن هذه الأمور، لا لكي أحزنكم، بل لأجعلكم في أمان، لأحفظكم وأحميكم، ويكون إعدادي لكم له فائدة.

 

 [عن تفسير رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل روميه - العظة 26 - إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائيّة - الترجمة عن اليونانيّة للدكتور سعيد حكيم يعقوب]