كرامة أولاد الله

 يُسعِدني في عيد الظهور الإلهي، أن أشارك معكم بعض كلمات ذهبيّة، من نسمات الروح القدس على فم لسان العطر، الأب الطوباوي، القدّيس كيرلّس الكبير رئيس أساقفة الإسكندريّة والبابا رقم 24 من بطاركة الكرسي المرقسي، في تعليقه على ما جاء في إنجيل يوحنّا: "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ. والكلمة سكن فينا.." (يو1: 12-13).

+ حيث أنّهم قد قبلوا الابن، فقد نالوا السُّلطان أن يُعدّوا من أولاد الله.. الابن وحده هو الذي يُعطِي ما يخصّ طبيعته، ليصير خاصًّا بهم؛ جاعِلاً ما يخصّه مشتركًا وعامًّا بينهم، لتكون هذه هي صورة طبيعة محبّته للإنسان وللعالم.

+ ليس هناك وسيلة أخرى غير هذه تجعلنا نحن الذين لبسنا "صورة الترابي" نهرب من الفساد، إلاّ إذا خُتِمنا بجمال صورة السمائي (1كو15: 49) بدعوتنا إلى البنوّة.

+ لأنّنا عندما نشترك فيه بالروح القدس، نُختَم لنكون مثله، ونرتفع إلى الصورة الأولى، التي أخبرتنا الكتب المقدّسة أنّنا خُلِقنا عليها. وبذلك نكون قد استعَدنا جمال طبيعتنا الأولى، وخُلِقنا من جديد، لنكون على مثال الطبيعة الإلهيّة. ونصير مُرتفعين فوق الأمراض التي أصابتنا بسبب السقوط.

+ إذن نحن نرتفع إلى كرامة أسمى من طبيعتنا، بسبب المسيح، لأنّنا سنكون أيضًا أبناء الله. ليس مثله تمامًا، بل بالنعمة وبالتشبُّه به. فهو الابن الحقيقي، الكائن مع الآب منذ الأزل، أمّا نحن فبالتبنّي بسبب تعطّفه، ومن خلال النعمة التي أخذناها.

+ إذن هو الابن بالحقّ والطبيعة، ونحن صرنا به أبناء أيضًا، وننال الخيرات بالنعمة، دون أن تكون هذه الخيرات هي من طبيعتنا.

+ بسبب كلّ هذا، أضاف الإنجيلي.. أنّهم أخذوا السلطان من الابن لكي يكونوا "أولاد الله" فنالوا ما لم يكُن لهم من قَبْل، بواسطة نعمة التبنّي. وبدون أيّ تشكُّك يُضيف "وُلِدوا من الله"، لكي يوضِّح عِظَم النعمة التي أُعطِيَتْ لهم، ويجمع ذلك الذي كان غريبًا عن الله الآب، ليُدخِله في قرابة الطبيعة معه، ويرفع العبد إلى كرامة سيّده، بواسطة محبّة الرب القويّة للإنسان.

+ الذين بالإيمان بالمسيح، يَصِلون إلى البنوّة التي من الله، فإنّهم يعتمدون للثالوث القدّوس نفسه، وبواسطة الكلمة كوسيط، الذي اتّحد بما هو إنساني أي بالجسد، وفي نفس الوقت هو واحد مع الآب بلاهوته، وهذا يجعلنا نرتفع من رتبة العبوديّة إلى البنوّة. وبالاشتراك الحقيقي في الابن، دُعِينا إلى أن نرتفع إلى كرامة الابن. لذلك فنحن الذين أخذنا الولادة الجديدة بالروح القدُس بالإيمان، قد دُعينا أبناء لأنّنا وُلِدنا من الله.

+ نحن مستحقّون بالإيمان بالمسيح أن نكون شركاء الطبيعة الإلهيّة، ومولودين من الله، ومدعوّين آلهة، وليس بفضل النعمة فقط وحدها نرتفع إلى المجد الذي فوق طبيعتنا، بل لأنّه قد صار لنا الآن سُكنى الله وإقامته فينا.

+ يسكُن الروح القدس فينا، وهو ما جعل الرسول بولس يدعونا هيكل الله (1كو3: 17).. والذي بسبب سُكناه ننال كلّ ما يخصّ الله الآب بالطبيعة، وما يخصّ ابنه الوحيد بالمِثل.

+ "الكلمة" سكن فينا، لكي يرفع الحجاب عن السرّ العميق، لأنّنا نحن جميعًا في المسيح، والجماعة المُشتَرِكة في الطبيعة الإنسانيّة ارتفعَتْ إلى شخصه، وهو ما جعله يُدعَى "آدم الأخير" (1كو 15: 45)، واهبًا بغِنى للطبيعة الإنسانيّة المُشترِكة كلّ ما يخصّ الفرح والمجد، كما أعطَى أدمُ الأوّل (للبشريّة) كلّ ما يخصّ الفساد والغمّ.

+ إذن الكلمة سكَنَ فينا، أي في الكلّ.. لكي ينال الكلّ هذه الكرامة، ويُصبِح هذا ميراث الطبيعة الإنسانيّة، وبسبب واحدٍ مِنّا (يقصد ابن الله الذي صار إنسانًا) يتمّ القول: "أنا قلتُ أنّكم آلِهة، وبنو العليّ كلّكم" (مز82: 6).

+ حقًّا في المسيح صار العبد حُرًّا، وارتفع إلى الاتحاد السرّي بذاك الذي أخذ "صورة عبد" (في2: 7)، وصار فينا حسب شَبَه الواحد (المسيح) بسبب قرابته لنا بالجسد.

+ أليس واضحًا للجميع أنّه نزل إلى مستوى العبوديّة، دون أن يفقد ما يخصّه كإله. بل مانحًا ذاته لنا، لكي بفقره نصير أغنياء (2كو8: 9)، ونرتفع إلى فوق إلى شَبَهِهِ، أي شَبَه صلاحه، ونصير آلهة، وأبناء الله بالإيمان.

+ تمّ ذلك لأنّ الذي هو بالطبيعة "الابن" والذي هو الله، قد سكن فينا.. سكن الكلمة في هيكل واحد أخذه مِنّا ولأجلنا، وصار مثل الكلّ. لأنّه عندما احتوى الكلّ فيه، استطاع أن يُصالح الكلّ في جسد واحد مع الآب، كما يقول بولس (أف2: 16-18).

[شرح إنجيل يوحنا للقدّيس كيرلس الكبير. يو1: 12-14. المركز الأُرثوذكسي للدراسات الآبائيّة بالقاهرة]

 

كلّ عام وأنتم في ملء نعمة الروح القدّس،،