ميلاد إنساننا الجديد..!

في الحقيقة أنّ تجسُّد ابن الله وميلاده في وسط البشريّة، هو بداية لحياة جديدة للإنسان.. فالسيد المسيح صار رأسًا للخليقة الجديدة إذ أنّه أخذ طبيعتنا وباركها، وبميلاده وهبنا إمكانيّة أن نولَد نحن أيضًا من جديد على مُستوى روحي.. "الذين قبلوه أعطاهم سُلطانًا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه. الذين وُلِدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجُل، بل من الله" (يو12:1-13).. فكلمة "أولاد الله" معناها "المولودون من الله"..!

 وهذه الولادة هي ولادة روحيّة، وقد دعاها السيّد المسيح ميلادًا من فوق، وميلادًا من الماء والروح (يو3:3-5) ويقصد بها المعمودية (مت19:28) وجعلها شرطًا أساسيًّا للدخول ورؤية ملكوت الله..

وهذا الميلاد الروحي للإنسان الجديد الذي وهبه لنا الله بتجسُّده، والذي نلناه فِعليًّا بالإيمان والمعموديّة، يهمّنا أن نعرف عنه بعض الأمور:

1- كما يولَد الإنسان جسديًّا غير مُكتمَل النمو، ويحتاج لسنوات طويلة مع التغذية والتعليم والحُبّ والرعاية لكي يكتمل نضجه، بل أنّه يظلّ طوال حياته ينمو في الحِكمة والخِبرة والمعرفة.. هكذا أيضًا الإنسان الروحي الذي يولَد فينا بالمعموديّة يحتاج لسنوات طويلة لكي ينضج وتظهر فيه ملامح المسيح بكلّ وضوح.. محبّته، وداعته، طهارته، حكمته، تواضُعه، بساطته، مراحمه، أمانته..!

2- إذا كانت بذرة الإنسان الجديد قد نلناها بالمعموديّة، فهي تحتاج لمناخ طيِّب وتغذية مستمرّة لكي تنمو.. كما يقول الإنجيل: "كأطفالٍ مولودين الآن، اشتهوا اللبن العقلي العديم الغِش لكي تنمو به" (1بط2:2). وهذا اللبن العقلي هو كلام الكتاب المقدّس وتعاليم الكنيسة، مع التسبيح والأسرار المقدّسة.. كما أنّنا سنلاحظ أنّ شهيّة للذين نالوا الميلاد الجديد ويعيشون بحسب الإنسان الجديد قد أصبحت شهيّة روحيّة، تشتهي بفرح هذا اللبن المقدّس غير الغاشّ..!

3- نموّ البذرة وظهور صورة المسيح فينا ليس بالأمر السّهل.. فهذا يحتاج لوقت، ولجهاد كبير من الإنسان، والحياة في جوّ الكنيسة، مع الاندماج مع برنامج الجهاد الروحي الذي ترسمه لنا، والذي يشبِّهه معلمنا بولس الرسول بالمُخاض المُستَمِرّ عندما قال: "يا أولادي الذين أتمخّض بكم أيضًا إلى أن يتصوَّر المسيح فيكم" (غلاطية4: 19).. فكما أن المرأة تحتمل أوجاع الحَمْل شهورًا طويلة، ثم تجوز في مخاضٍ مؤلم حتى تستطيع أن تلِد ابنًا مشابهًا لأبيه وأمِّه.. هكذا الكنيسة بعد أن تلدنا بالمعمودية تستمرّ في مخاضٍ صعب بالرعاية والصلاة والتعليم ومتابعة التوبة والاعتراف والقدّاسات.. حتّى تظهر صورة المسيح واضحة في أبنائها الذين ولدتهم..!

4- الإنسان الجديد هو فقط الذي يستطيع أن يغلب الشرّ الذي في العالم.. كما قال معلِّمنا يوحنا الرسول: "كلّ مَن وُلِدَ من الله يغلب العالم" (1يو5: 4).. "أنتم من الله أيها الأولاد، وقد غلبتموهم، لأن الذي فيكم أعظم من الذي في العالم" (1يو4:4)..

والآن لنسأل أنفسنا هذه الأسئلة:

+ هل نحن نتغذَّى باستمرار على اللبن العقلي لكي ننمو به؟!

+ هل نحن نستخدم إمكانيات الإنسان الجديد الجبّارة في غلبة الخطيّة؟ أم أنّنا ضعفاء ولا يزال للخطيّة سُلطان علينا؟!

+ هل ملامح المسيح تنمو فينا، أم أنّ بذرة الإنسان الجديد الموهوبة لنا في المعموديّة لا تزال مدفونة في الداخل، ولم يحدث لها نموّ، وبالتالي لا تظهر ملامح المسيح بوضوح فينا؟!!