الشماس منير برسوم

+ عن عُمر ناهز التسعين عامًا، استراح في الرب بشيخوخةٍ صالحة، الشمّاس المهندس منير برسوم روفائيل.

+ وُلِد الشمّاس منير في عام 1929م. وتخرج من كليّة الهندسة قسم الميكانيكا بالقاهرة. قضى فترة للدراسة بالكلّيّة الإكليريكيّة، وأتمّ دراسته تحت إشراف الأرشيدياكون الدكتور وهيب عطالله (نيافة الأنبا غريغوريوس فيما بعد)، ولم يكن يرضى بغير الدرجة النهائيّة في جميع المواد..! كما تخصّص في دراسات اللغة القبطيّة تحت إشراف الدكتور مراد كامل، وعالم القبطيّات د. برمستر.

+ حضر للولايات المتّحدة الأمريكيّة في عام 1969م، وتنقّل في عدّة أماكن، مثل ديترويت وسانت لويس وأتلانتا، وأخيرًا استقرّ في شيكاجو.

+ الشمّاس منير هو نموذج للإنسان الأمين الذي وضع مواهبه واشتياقاته بين يديّ الله، فعمل روح الله من خلاله في أماكن عديدة، وخدمات متنوّعة.. وعلى الرغم أنّه لم يسلك طريقًا معتادًا في حياته مثل عامّة الناس، إلاّ أنّه كان مثمرًا جدًّا وسبب بركة لكثيرين، إذ أنّ روح الله يستطيع أن يقدّس كلّ أنواع الشخصيّات، ويستثمر مختلف المواهب، من أجل خلاص النفس وبنيان الكنيسة.

+ تميّز الشماس منير بالعديد من الصفات، نذكُر منها:

1- غيرته الشديدة على الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة، من كلّ ناحية.. فقد ساهم في إنشاء العديد من كنائس المهجر، وقام بتشجيع الأقباط ورفع روحهم المعنويّة في أماكن عديدة.. فعندما حضر لأمريكا لم تكُن هناك كنائس قبطيّة تقريبًا، فكان يستخرج أسماء الأقباط من دليل التليفونات ويتّصل بهم، ويبدأون في اجتماعات للصلاة ودراسة الكتاب المقدّس وتعليم اللغة القبطيّة..

2- حبّه الشّديد للّغة القبطيّة، وشغفه في تدريسها لأجيالٍ كثيرة.. وقد تجلّى ذلك في إصداره لبعض الكتب السهلة المصوّرة لتعليم اللغة القبطيّة، أوّلها كان في عام 1961 بالقاهرة.. وأيضًا انكبابه على القيام بدراسات وترجمات وتحليل لغوي لأهمّ كتب الليتورجيّات القبطيّة، كالخولاجي والأجبية، وأيضًا العديد من النصوص القبطيّة للأسفار المقدّسة.. وقد أنشأ مؤسّسة خاصة لهذا الغرض، أسماها "أقباط في شيكاجو"، وأصدر من خلالها سلسلة قيّمة جدًّا من الكتب، كان أحيانًا يوزّعها مجّانًا.. لقد كان سابقًا لعصره في مثل هذه الدراسات، في وقت لم تكن هناك برامج كومبيوتر متطوّرة مثل الآن.

3- عاش الشماس منير متبتّلاً ناسكًا متعفِّفًا طوال أيّام حياته.. وكان يحيا حياة الفقراء، بسيطًا في مأكله وملبسه وسيّارته، مع أنّه كان يملك المال.. وفي نفس الوقت، كان سخيًّا في عطائه بشكل مُذهل، سواء للكنائس أو لمَن يعرف أنّهم في احتياج..

4- امتاز الشمّاس منير بالتبكير والمواظبة على حضور القدّاس والتناول طوال أيّام حياته، فيما عدا السنتين الأخيرتين اللتين أقعدته فيهما أمراض الشيخوخة.

5- كان الشمّاس المبارك منير صريحًا جدًّا فيما يؤمن به، ومتواضعًا أيضًا.. فيرفض بشدّة أيّ نوع من أنواع التكريم أو الإكرام، ويَكره أن يمدحه أحد، بل ويهرب تمامًا من الأضواء.

+ دبّر الله له أختًا أصغر منه، عاشت أيضًا معه حياة البتوليّة، ورافقته في رحلة جهاده وخدمته بكلّ أمانة وطاعة ومحبّة.. المسيح قادر أن يسندها، ويسندنا جميعًا حتّى نتاجر المتاجرة الحسنة بوزناتنا، ونكمل أيّام غربتنا على الأرض بسلام.

نياحًا لروحه الطاهرة في فردوس النعيم، وعزاءً سمائيًّا لكلّ الأسرة الغالية،،