كيف نستفيد من الألم؟!

الألم مُرّ.. ومن الطبيعي أن نجد الإنسان يحاول أن يتفاداه.. ولكن هل يمكِن تفادي الألم؟!

وإذا كان من غير المُمكن أن نتفاداه، فهل يمكن أن نستفيد منه؟!!

لنناقش هذه الفكرة معًا بنعمة المسيح..

عندما أخطأت البشريّة، عرف الألم طريقَه إليها.. وأصبح التعرُّض للآلام والضيقات حالة عامّة يشترك فيها الجميع نتيجة الخطيّة التي دخلت للعالم.. فبدأنا نسمع: "ملعونة الأرض بسببك، بالتعب تأكل منها كلّ أيام حياتك، وشوكًا وحَسَكًا تُنبِت لك" (تك3: 17-18) أي أنّ الأرض بسبب الخطية قد صارت ملعونة، وتُنبِت شوكًا.. والشوك يَجرَح ويؤلِم.. وفي هذا إشارة واضحة لدخول الأتعاب والآلام إلى العالم..!

هناك نوع من البشر يتذمَّر على الآلام ويشكو، ويَعتبِر أنّ الله ظالم، مع أنّ الإنسان هو السبب في الآلام بخطيئته..! وهذا النوع يرفض الألم ويفشل في الاستفادة منه.. أمّا أبناء الله الحقيقيّون فهم أُناسٌ عرفوا كيف يستفيدون من الألم في حياتهم.. فلا يرفضون الألم أو يتذمَّرون عليه.. إذ قد آمَنوا أنّ "كلّ الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله" (رو8: 28).

الإنسان المسيحي يفهم أنّ في الألم فوائد عظيمة، وخاصّةً بعدما اجتاز فيه المسيح وقدّسه، وبآلامه وموته أبطل الموت ووهبنا قوّة قيامته.. لذلك فالمؤمن الأمين يقبل الآلام ويحتمل المشقّات ويصبر عليها إلى النهاية..

* ماهي فوائد قبول الآلام؟!

 

أولاً: اكتشاف حقيقة الضَّعف البشري، وبالتالي اللجوء إلى الله والصراخ له، والاستناد عليه، وتعميق الجذور في محبّته ووعوده... فلهذا نجد أنّ قبول الآلام يؤدِّي لتقوية الإيمان..

ثانيًا: إفاقة الإنسان من غفلته، وتحريك ذهنه وقلبه للتوبة.. كما يقول القدّيس أغسطينوس: "لا ترجع النفس إلى الله إلاّ إذا انتُزِعَت من العالم، ولا ينزعها بحقّ إلاّ التعب والألم".

ثالثًا: الكَفّ عن الخطية، وتنقية النفس من الشوائب.. مثل الذهب الذي يتنقّى بالنار.. فكما يعلّمنا القديس بطرس الرسول أنّ "مَنْ تَأَلَّمَ فِي الْجَسَدِ، كُفَّ عَنِ الْخَطِيَّةِ، لِكَيْ لاَ يَعِيشَ أَيْضًا الزَّمَانَ الْبَاقِيَ فِي الْجَسَدِ، لِشَهَوَاتِ النَّاسِ، بَلْ لإِرَادَةِ اللهِ" (1بط4: 1-2).

رابعًا: كَشْف حقيقة العالم أمام الإنسان، وكيف أنّه ليس فيه صفاء أو راحة.. فبالتالي لا ينبغي أن يضع الإنسان رجاءه فيه، بل يتطلَّع إلى السماء حيث الراحة الحقيقيّة، حيث لا يوجَد حُزن ولا تنهُّد ولا دموع..

خامسًا: كسر كبرياء النفس، وترويضها، وتجهيزها لعمل النعمة.. وبهذا المنظور فإنّ في الألم مكسبًا عظيمًا جدًّا إذ يهيّئنا لعمل النعمة التي لا تُعطى إلاّ للمتّضعين.. فالألم بذلك هو علامة على عناية الله بنا حتّى نتواضع.. وفي هذا يقول القديس مار إسحق السرياني عن خِبرة شخصيّة: "حقًّا يا الله أنّك لا تكفّ عن تذليلنا بشتّى التجارب والأحزان حتّى نتّضع".

سادسًا: الإحساس بالمتألّمين، ومعاونتهم على مواجهة آلامهم.. فنصير مشابهين أكثر للسيّد المسيح الذي قيل عنه أنّه "فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ" (عب2: 18).

سابعًا: الانفتاح على الصليب بنظرة جديدة وإحساس جديد.. فالمسيح المصلوب ذاق من نفس الكأس المرّ التي نتذوّقها الآن، وقد احتمل إلى النهاية.. وهنا تنفتح أعين قلوبنا ونبدأ في الإحساس بمحبّته الهائلة، وكيف أنّه صبر على آلام الصليب الرهيبة من أجلنا.. وكيف أنّه شريك آلامنا الوحيد.. لذلك نحن نحبّه وسنحتمل الآلام لأجل خاطره، واثقين أنّه "إن كُنّا نتألم معه، لكي نتمجد أيضًا معه" (رو8: 17).