نعظّمك يا أمّ النور الحقيقي

قطعة "نعظّمك يا أمّ النور الحقيقي" هي صلوة قبطيّة جميلة وفريدة.. ليس لها مثيل في كلّ كنائس العالم.. وفيها نكرّم والدة الإله القديسة مريم العذراء، ونمجّد ربّنا يسوع المسيح الذي هو رأس الكنيسة وفخرها وثباتها، وينبوع التطهير والغفران فيها، بدمه المسفوك على مذبحها..!

ونحن نكرّر الصلاة بهذه القطعة الجميلة يوميًّا في صلوات الأجبية، وفي رفع بخور عشيّة وباكر.. فهي تمنحنا عزاءً وقوّةً عند ترديدها من قلوبنا..

أودّ في هذا المقال، بنعمة المسيح، أن أوضِّح بعض المعلومات عن هذه الصلوة الفريدة:

أوّلاً: هذه قطعة صلاة ليتورجيّة، وليست جزءًا من قانون الإيمان.. فموقعها فقط في صلوات الأجبيّة ورفع البخور قبل قانون الإيمان، ولكنّها ليست إقرارًا بالإيمان مثل قانون الإيمان، بل هي صلوة خاصّة تُقال قبله، ولذلك دُعِيَت بمقدمة قانون الإيمان.. أيْ قطعة نصليها قبل تلاوة قانون الإيمان.. وإن كُنّا بالطبع ككنيسة أُرثوذكسيّة دائمًا نضع عقيدتنا داخل صلواتنا الليتورجيّة.. سواء في صلوات القدّاس أو التسبحة أو الألحان مع كافّة الصلوات الليتورجيّة المُشَبَّعة بشرح حقائق الإيمان.. ولذلك يمكننا اعتبار كلّ صلواتنا الليتورجيّة بمثابة قانون إيمان كبير ومُفَصَّل..!

ثانيًا: هذه القطعة أصلُها قبطي، وليس لها أصلٌ يوناني.. وهي ليست من إنتاج مجمع أفسس المسكوني عام 431م، كما هو مذكور بالخطأ في بعض الكتب.. فمَحَاضر مجمع أفسس المحفوظة بكلّ تفاصيلها باللغة اليونانيّة، والتي اطّلعتُ على ترجمة إنجليزيّة كاملة لها، تخلو منها.. وهي أيضًا قطعة غير موجودة في أيّ كنيسة أخرى في العالم غير الكنيسة القبطيّة.. ولعلّ الخطأ جاء نتيجة التشابه بين معاني هذه القطعة الليتورجيّة الجميلة وموضوع مجمع أفسس الرئيسي، الذي دار حول تأكيد لقب "والدة الإله - ثيؤطوكوس"، وأنّ اتحاد لاهوت المسيح الكامل بناسوته الكامل تمّ منذ لحظة الحمْل الأولى في بطن السيّدة العذراء، وأنّها ولدت شخص المسيح الواحد، الإله المتجسِّد. وبسبب هذا التشابه ظنّ البعض بالخطأ أنّ قطعة "نعظّمك يا أمّ النور" تمّت صياغتها في مجمع أفسس.

ثالثًا: واضع هذه القطعة غير معروف حتّى الآن، وإنْ كان المرجّح أنّها كُتِبَت متأخِّرة عن القرن الخامس، لأنّ أصلها بالقبطيّة الصعيديّة، بينما جميع آبائنا البطاركة الأقباط حتّى أواخر القرن الخامس كانوا يكتبون فقط باليونانيّة، بما فيهم القديس كيرلس الكبير، وعِدّة بطاركة بعده.. وبعد ذلك بدأت الكتابة بالقبطيّة تزدهر، والكتابة باليونانيّة تقلّ تدريجيًّا.. لذلك فالتعرّف على كاتب هذه القطعة، وتاريخ دخولها ضمن ليتورجيّات الكنيسة، أخيرًا: الترجمة العربيّة لأول كلمة في هذه القطعة "نعظّمك" هي ترجمة غير مطابقة تمامًا للأصل القبطي؛ فكلمة "تين تشيسي إمْمُو Tensici  `mmo" القبطية تعني "نَرفَعُكِ" وليس "نعظِّمُكِ".. كما نقول في تسبحة يوم السبت: "نرفعُكِ باستحقاق، مع أليصابات نسيبتِكِ، قائلين مباركة أنتِ في النساء، ومباركة هي ثمرة بطنك".. وإن كانت الكلمتان "نرفعك ونعظّمك" متقاربتَيْن في المعني، إلاّ أنّ الترجمة الأدقّ بحسب الأصل القبطي هي "نرفعُك".. وإن كنتُ شخصيًّا، ومن منظورٍ رعويّ، لا أرى داعيًا للتغيير، بل فقط أتكلّم لتوضيح المعنى.

جدير بالذِّكر أنّه في البلاد الناطقة بالإنجليزيّة، وفي تطبيق "القارئ القبطي Coptic Reader" نستخدم الكلمة الأدقّ، فنقول: "We exalt you التي تعني نرفعُكِ، وليس We magnify you التي تعني نعظِّمُكِ".

بركة شفاعة أمّ النور القديسة مريم تكون معنا جميعًا.