كنيسة مسكونيّة مُشرِقة بحُبّ المسيح

أحد أهمّ أسرار قوّة كنيستنا القبطيّة الأُرثوذُكسيّة، أن إيمانها معجون بالحُبّ والدمع والدّم.. فالقديس مرقس الذي أسّسها، خَدَمَهَا بدموعه ورواها بدمه.. لذلك كانت النبتة الصغيرة حيّة وقويّة.. ثم تتابع عليها الآباء القديسون يخدمونها بدموع محبّتهم وصلواتهم، وأيضًا بدماء غزيرة قبلوا أن يسفكوها دفاعًا عن إيمانهم المسيحي وعقيدتهم الأُرثوذُكسيّة.. رووا قفار مصر بعرقهم ودموعهم، بنسكهم وصلواتهم، بجهادهم ومحبّتهم الملتهبة..

لقد أدرك الآباء أنّ القوّة المُستمَدّة من جسثيماني هي التي يمكن أن تسند الكنيسة في معركتها الشرسة مع قوّات الشرّ في ساعة سلطان الظلمة.. والنعمة التي ننالها بالرُّكب المنحنية في الصلاة، والتي يصير فيها العرق كقطرات الدّم، هي التي تُقوِّي الإنسان فيستطيع أن يحمل الصليب حتّى الموت في طريق الحياة الأبديّة..!

العواصف والأهوال التي مرّت بكنيستنا القبطيّة عبر العصور المتتالية، لم تكسرها أو تحنيها، بل خرجَت الكنيسة منها أكثر صلابةً وجمالاً وإشراقًا.. وهذا يؤكِّد قوّة جذورها، ومتانة إيمانها، وغِنى النعمة الإلهيّة الساكنة فيها..!

وفي العصر الحديث، ومع موجات الهجرة لأبناء الكنيسة الأقباط، وتأسيس ما يزيد عن ستمائة كنيسة قبطيّة خارج مصر في كلّ قارات العالم حتّى الآن، بخلاف أكثر من أربعة آلاف كنيسة داخلها.. بدأ النور الإلهي يشعّ في كلّ الأرجاء، وصارت كنيستنا مسكونيّة Global Church يعرفها الجميع ويحترمون إيمانها الأصيل الذي أثمر شهادة حيّة بالدم لحبّ المسيح الساكن فيها.. ولعلّ شهداءنا الأبطال في السنوات الأخيرة، وبالذّات الذين سُفِكَت دماؤهم على اسم المسيح في ليبيا عام 2015م، كانوا أعظم وأروع شهادة أمام العالم أجمع، فصاروا مثل شمسٍ أشرقت وأنارت لكلّ المسكونة.. حتّى بدأ كثيرون في كلّ أنحاء العالم يتعرّفون على الكنيسة القبطيّة ويشتاقون للانضمام إليها.. وبالطبع هذه فرصة عظيمة لنا لكي نكرز لهم ببُشرى الخلاص، ونضمّهم لعضوية جسد المسيح بالمعموديّة..

ومع عيد دخول السيّد المسيح لأرض مصر المباركة، احتفلنا في 1 يونيو الماضي، ولأول مرّة، باليوم القبطي العالمي Global Coptic Day.. وفرحنا برسالة التحيّة الجميلة التي وجّهها الرئيس الأمريكي ترامب والسيّدة زوجته للأقباط بهذه المناسبة التاريخيّة، والتي يشهد فيها لقوّة الكنيسة القبطيّة كمستودَع للإيمان عبر العصور.. ويتزامن كلّ هذا مع نهضة حقيقة تشهدها الكنيسة على كافّة المستويات، إذ تنطلق الآن في إشراقة بهيّة تعكس نور وحُبّ المسيح الساكن فيها لكلّ العالم..

فإن كانت كنيستنا القبطية قد أصبحت الآن كنيسة مسكونيّة Global Church، ولم تعُد كنيسة محلّيّة محدودة في مصر كما كانت منذ ستّين عامًا، بل قد صارت شجرة كبيرة عملاقة، قد مدّت فروعها لجميع البلاد، وصارت معروفة في كلّ أنحاء العالم.. فإنّه يلزمنا أن نفكّر ونتصرّف على هذا الأساس، بمعنى أن نضع في اعتبارنا ما يلي:

1- أن نكون قلبًا واحدًا وروحًا واحدًا، في طقوسنا، ومواعيد أصوامنا وأعيادنا، في كلّ أنحاء العالم.

2- أن نراعي مستقبل أبنائنا من الأجيال الجديدة بكلّ احتياجاتهم، في جميع بلاد العالم، إذ أنّنا أعضاء في نفس الجسد الواحد.

3- أن نحترم العِلم، ونضبط تقويمنا القبطي القديم، ليكون متّسِقًا مع التقويم العالمي الحديث الأكثر دِقّة.

4- أن نفكِّر ونخطّط كيف ننشُر إيماننا الأُرثوذكسي الثمين بين الشعوب المتعدّدة التي فتحت أبوابها لنا، بأسلوب مناسب لهم.. فيتذوّقوا محبّة المسيح، وينضمّوا لعضوية ملكوته المُفرِح.