فاعليّة التناول

بمناسبة تذكار أربعين سنة على نياحة القمّص بيشوي كامل

القدّاس الإلهي كان هو ينبوع الغِنَى في حياة أبينا المتنيّح القمّص بيشوي كامل، وكان أحد أهمّ مصادر القوّة والعزاء والعمق الروحي في خدمته الملتهبة نارًا.. وبمناسبة تذكار أربعين عامًا على نياحته هذا الشهر، انتقيت لكم بعضًا من تأمّلاته حول فاعليّة التناول:

الجسد المذبوح يحمل قوّة روحيّة ضروريّة جدًّا لحياتنا كمؤمنين..

أولاً: قوّة إماتة الرب يسوع..

هذه القوّة الإلهيّة التي سبق فأخذناها بالمعموديّة "فدُفِنّا معه بالمعموديّة للموت..." (رو6: 4)، نُجَدِّدها في حياتنا كلّ يوم بالتوبة والاعتراف، ثمّ الشركة في جسد يسوع المذبوح لأجل خطايانا... "حاملين في الجسد كلّ حين إماتة الربّ يسوع، لكي تظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا المائت" (2كو4)..

نحن نحمل في حياتنا الجسد المذبوح، فيموت العالم لنا ونحن للعالم "قد صُلِبَ العالم لي وأنا للعالم" (غل6: 14).

الهدف الأول من التناول أن أحصل على سرّ قوّة الموت من جسد الربّ المذبوح.. الموت عن الذّات وكبريائها، وعن مديح الناس وذمّهم، وعن خطايا الإدانة وضعف المحبّة، وعن شهوات الجسد، وعن العالم... ثمّ أهتف بفرح مع الكنيسة كلّها قائلاً: آمين آمين آمين بموتِكَ يارب نبشِّر...

سِرّ قوّة الموت مع المسيح يختلف تمامًا عن الكبت والحرمان. فالأوّل قوّة إلهيّة، وأمّا الثاني فصراع نفسي. الكبت يكون مصحوبًا بالضّيق والإحساس بالضعف، أمّا قوّة الموت مع المسيح فتكون مصحوبة بالقوّة والنُصرة والفرح. الكبت صراع ينتهي بتحطيم الإنسان، أمّا الموت مع المسيح فهو بداية حياة المسيح فينا.

ثانيًا: شركة ذبح الإرادة مع المسيح..

في قدّاس القديس غريغوريوس يقول الكاهن عن الربّ يسوع: "أتيت إلى الذبح مثل حملٍ حتّى إلى الصليب" ثمّ يقول عن نفسه: "أقدّم لك يا سيّدي مشورات حرّيتي، وأكتب أعمالي تبعًا لأقوالك"... الكاهن هنا يقدّم ذاته، يقدِّم مشورات حرّيته وكلّ أعماله، لتسير مع المسيح الذي يُقاد إلى الذّبح مثل حَمَلٍ مطيع خاضع لمشيئة الآب. وشركة المسيح المُساق إلى الذّبح تكمُن في تسليم مشورات الحرّيّة للمسيح، ثمّ كتابة الأعمال حسب وصايا الإنجيل..

القوّة الثانية التي أخرج بها من التناول هي أن أنال قوّة ذبح إرادتي مع المسيح الذي سيقَ للذبح على المذبح.

ثالثًا: شركة آلام المسيح من أجل الآخرين..

عندما تأكّدتُ أنّ الذبيحة التي على المذبح هي من أجل الخُطاة، من أجل العالم كلّه، من أجل البعيدين عن الله الذين أحبّهم للموت، من أجل الذين أنكروه ليلة آلامه، من أجل الذين جدّفوا عليه وطعنوه وصلبوه، وهو يصلِّي عنهم أن يغفر لهم الآب، ويلتمس لهم عُذرًا أنّهم لا يعلمون ماذا يفعلون، من أجل الذين شكُّوا فيه.. عندما أكتشِفُ أنّ المسيح بجسده مذبوحٌ على المذبح من أجل كلّ هؤلاء، إذن كيف أشترك في هذا الجسد وأنا لا أحسّ بإحساسات الرب نحوهم؟!

يارب من الآن سأدرِّب نفسي أن أعيش معك بمشاعري نحو هؤلاء، لكي بحقّ أشترك في التناول من جسدك.. سأنظر للجميع بعينك يا يسوع الباكية، ومن خلال جسدك المجروح لأجل الجميع...!

يارب إنّ الذي يشترك في جسدك المكسور لأجل العالم، لابد له أن يشترك معك في حَمل آلام العالم.

بركة أبينا المتنيّح البار القمّص بيشوي كامل تكون معنا. آمين.