الطريق للقيامة والانتصار

الإيمان المسيحي ليس مجرّد معلومات أو نظريّات عن الله، ولكنّه يتركّز في العلاقة الشخصيّة الحيّة مع السيِّد المسيح.. وهذه العلاقة ليست مجرّد إيمان وحُب، بل هي أيضًا دخول بملء حريّتنا في شركة ووِحدة معه، أو بتعبير أدقّ الدخول في عهد جديد معه.. وهذا ما يفعله المسيحيُّون عن طريق المعموديّة، وفيها الموت عن الحياة القديمة والحصول على قوّة القيامة والحياة الجديدة.. وهنا تصير المعرفة خِبرة حيّة، والعلاقة علاقة ثبات ووِحدة ومُتعة، وتشعّ منها قوّة القيامة..!

ولعلّنا نلاحظ أنّ قوّة القيامة مرتبطة دائمًا بشركة الآلام وحَمل الصليب.. فلا يمكن الدخول إلى الحياة الجديدة إلاّ من خلال الطريق الضيِّق طريق الصليب، طريق الموت عن العالم، وصَلب الأهواء والشهوات، وإماتة الميول الرديئة.. حتّى وإن كان هذا الطريق الضيِّق يبدو فيه ضعف ومسكنة وأحيانًا مذلّة أو خُسارة.. لكنّ الحقيقة هي أنّ:

+ قوّة الله تعمل في الضعفاء أكثر من الأقوياء.. "اختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء" (1كو1: 27)..

+ مجد الله يعمل أكثر في البسطاء والفقراء.. "اختار الله فقراء العالم أغنياء في الإيمان وورثة الملكوت" (يع2: 5)..

+ نعمة الله تعوِّض الإنسان عن كلّ ما يخسره في الطريق الضيِّق.. "تكفيك نعمتي، لأنّ قوّتي في الضعف تُكمَل" (2كو12: 9)..

لذلك لا نتعجّب عندما نجد معلِّمنا بولس الرسول يهتف قائلاً: "أُسَر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح، لأني حينما أنا ضعيف، فحينئذٍ أنا قوي" (2كو12: 10).. "ما كان لي رِبحًا قد حسبته من أجل المسيح خسارة، بل أنّي أحسب كلّ شيءٍ أيضًا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربِّي، الذي من أجله خسرت كلّ الأشياء، وأنا أحسبها نفاية، لكي أربح المسيح، وأوجَد فيه.. لأعرفه، وقوّة قيامته، وشركة آلامه، متشبِّهًا بموته. لعلِّي أبلغ إلى قيامة الأموات.." (في3: 7-11).

وهذا أيضًا ما يؤكِّده القديس بولس لنا نحن المؤمنين أنّنا نلنا جميعًا في المعموديّة قوّة موت وقوّة حياة، وهذه القوّة تعمل فينا كل يوم، لإماتة الشرّ من حياتنا ونمو البِر والثمار الروحيّة فينا.. "مدفونين معه في المعموديّة التي فيها أُقِمتم أيضًا معه.." (كو2: 12).. "حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع، لكي تظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا" (2كو4: 10).. "مع المسيح صُلِبت فأحيا، لا أنا بل المسيح يحيا فيّ. فما أحياه الآن في الجسد فإنّما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله الذي أحبني وأسلَمَ نفسَه لأجلي" (غل2: 20).. "أنّنا، كلّ مَن اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته. فدُفِنّا معه بالمعموديّة للموت، حتّى كما أقيمَ المسيح من الأموات بمجد الآب، هكذا نسلك نحن أيضًا في جِدّة الحياة... احسبوا أنفسكم أمواتًا عن الخطيّة، ولكن احياءً لله بالمسيح يسوع ربنا" (رو6: 3-11).

من كلّ هذا يتِّضح لنا أن الطريق للقيامة والحياة الجديدة لابد أن يمرّ بالصليب والموت.. ولن نتمكّن من معرفة الله معرفة حقيقيّة اختباريّة ونتمتّع بقوّة قيامته، إلاّ عندما نسمح لقوّة الموت التي نلناها في المعموديّة أن تعمل فينا بدون عوائق، فتدخُل بنا كلّ يوم إلى شركة آلام المسيح؛ لنصير متشبّهين بموته، صالبين محبة المال والمقتنيات والشهرة والكرامة والصفوف الأولى والنظرات الشرّيرة وسائر الشهوات الجِسدانيّة.. أمّا إذا كُنّا غير مقتنعين بهذا الصليب فماذا سنستفيد من الاحتفال الشكلي بعيد القيامة..؟!

كل عام ونحن جميعًا متمتّعون بالنُصرة الحقيقيّة في المسيح المصلوب الغالب،،