المعجزات

جاءني هذا السؤال الهام، ويسعدني أن أناقشه معكم.. هل كل ما نراه أو نسمعه من معجزات يجب أن نصدِّقه، أم أنه يمكن للشيطان أن يفعل معجزات؟ ولماذا لا تحدث معنا نحن معجزات؟!

أولاً: ليس كل ما نسمعه من معجزات نحن ملتزَمون بأن نصدِّقه.. فالمعجزات موجودة في حياتنا كل يوم، ونحن نؤمن أن الله لا يتركنا أبدًا، وهو يرعانا ويحفظنا ويدبِّر حياتنا.. لكن ما نسمعه من معجزات يمكننا أن نقبله ببساطة أو لا نقبله، وهذا لا يؤثِّر على إيماننا بالله أبدًا..!

ثانيًا: لا يصحّ أن نعلِّق إيماننا على بعض المعجزات.. فإيماننا يُبنى على كلام الله الحيّ، ووعوده الصادقة، وتسليم الحياة بالكامل له، وحمْل الصليب والسير معه في الطريق الضيِّق، واختبار حضوره في الصلاة وقراءة الكلمة الإلهيّة والأسرار..

ثالثًا: الله لا يدير العالم بالمعجزات بل بقوانين طبيعيّة ثابتة، وتأتي المُعجزات كاستثناءات.. فلا يجب أن نطلب المعجزات باستمرار، أو نعتبرها قاعدة أساسيّة في الحياة.

رابعًا: القديسون يؤكِّدون لنا باستمرار أنهم أعضاء أحياء معنا في جسد المسيح، ويُفرِّحون قلوبنا من آن لآخَر بمساعدتنا في بعض المواقف بشكل واضح.. ولكنهم يهتمُّون بالأكثر بتوبتنا وجدِّيتنا في الحياة الروحيّة..

خامسًا: لقد علّمنا ربنا يسوع ألاّ نطلب سوى ملكوت الله وبرّه، وباقي الأمور تُزاد لنا.. أي لا نطلب معجزات ماديّة، بل نطلب فقط خلاص نفوسنا.. نطلب نعمة المحبّة لتملأ قلوبنا.. نعمة الوداعة.. نعمة الطهارة.. نعمة التواضع.. نعمة الحكمة... إلخ. أمّا عن الأمور المادّيّة فالله يعرف كافّة احتياجاتنا، ويعطينا ما يلزمنا في الوقت المناسب بحسب محبّته الغنيّة، دون أن نطلب أو نقلق.

سادسًا: أحيانًا يكون هناك بعض المبالغات وعدم الدِّقة في نقل الأخبار من البعض، وهذا شيء منتشر في كل المجتمعات.. وقد يكون سرد الأحداث مخلوطًا بالانطباعات والرؤى الشخصيِّة.. وقد تكون الأحداث طبيعيَّة تمامًا والبعض يعتبرها معجزة كبيرة، للتباهي بها، وهذا شيء غير مفيد روحيًّا..!

سابعًا: الانشغال بأخبار المعجزات قد يقود الإنسان بعيدًا عن الاستفادة بوقته في التغذية الروحيّة خلال الصلاة ودراسة الأسفار المقدّسة والتسبيح.. وقد يجعل هذا الانشغال الإنسان يتوقّع دائمًا حلولاً سِحريّة معجزيّة لمشاكله على مثال المعجزات الكثيرة التي يقرأ عنها، وعندما لا تحدّث المعجزة معه يهتزّ إيمانه بالله وبالقدّيسين، ويظنّ خطأً أنّ كل قصص المعجزات كاذبة وأنّها مجرّد خرافات..!

ثامنًا: دائمًا هدف الله هو خلاص نفوسنا وهو يستخدم كلّ الوسائل المُمكنة لمساعدتنا على ذلك، سواء الضيقات أو المعجزات.. والمهمّ أن نستفيد نحن روحيًّا من كلّ الظروف التي يسمح بها الله في حياتنا.. فهناك الكثيرون الذين حدثت معهم معجزات عظيمة ولكن للأسف لم يستفيدوا منها روحيَّا، وهناك أيضًا الذين سمح الله لهم بضيقات صعبة وكانت سبب خلاص لنفوسهم..!

تاسِعًا: بالطبع الشيطان أيضًا يستطيع أن يعمل معجزات في حدود معيّنة، ويمكن بواسطها تشتيت هدف واهتمامات البعض عن خلاص نفوسهم، أو تضليل البعض عن الإيمان المستقيم.. وقد جاء في سِفر الرؤيا (ص13) أن هناك معجزات مُبهِرة ستتمّ بقوِّة الشيطان منها إنزال نار من السماء.. وهُنا تكمُن الخطورة على الذين يعلِّقون إيمانهم على المُعجزات، وليس على العِشرة الحيّة مع المسيح والدراسة العميقة للكتب المقدّسة، فهؤلاء يمكن تضليلهم بسهولة..!

عاشرًا: أعظم معجزة ينبغي أن نلتفت لها في حياتنا هي عمليّة التغيير التي تحدث فينا بالنعمة الإلهيّة لكي نصير مشابهين لصورة الله.. فبالتوبة نتغيّر، وبالتناول من الأسرار المقدّسة نتغيّر، وبالتغذي بالكلمة الإلهيّة نتغيّر، وبالوقوف في صلوات طويلة أمام الله نتغيّر.. وحينئذ يتغيّر سلوكنا لنصير مثل إلهنا المُتواضع الغفور الفيّاض بالحُب على الكلّ، وهذه ستكون أجمل معجزة يمكن أن تحدث في حياتنا..!