الأرض الجيّدة

في مثَل الزارع، يمكننا أن نفهم أنّ الأرض لا تكون جيّدة من تلقاء نفسها، بل هي نتاج مجهود تمّ بذله في حفظها من الدّوس بالأقدام ومن الجفاف والأشواك..

وصف السيِّد المسيح الإنسان صاحب الأرض الجيِّدة بسبعة أوصاف جميلة.. منها أنّه: يسمع.. يقبل.. يفهم.. يحفظ.. يصبر.. يُعطي ثمرًا يصعد وينمو بدرجات متنوِّعة..

1- يسمع.. وهذا معناه أنّه حريص على السماع، وينتهز كلّ فرصة لكي يضع نفسه في المجال الذي تُقال فيه الكلمة.. فهو إنسان متعطِّش دائمًا لسماع الكلمة الإلهيّة، لأنّه يعرف قيمتها لحياته.. ولذلك يبحث عنها في كلّ وقت وفي أي مكان..! وعندما يسمع يركّز على نفسه ولا يوزِّع الكلام على غيره..!

2- يقبل.. والقبول معناه أن صاحب هذه الأرض له قلب متواضع، يشعر بالاحتياج، ويقبل بسهولة زراعة الكلمة في حياته.. لا يتعالى على الكلمة، ولكنّه يتشرّبها بهدوء ويُسَكِّنها في قلبه، مثلما تتشرّب الأرض الماء. وفي هذا الأمر يوصينا القدّيس يعقوب الرسول: "اقبلوا بوداعة الكلمة المغروسة القادرة أن تُخَلِّص نفوسَكم" (يع1: 21).

3- يفهم.. والفهم دائمًا يحتاج إلى شيئين هامَّين: مجهود من الإنسان ونعمة من الله.. مجهود الإنسان يكون في التركيز في السماع، وعدم الخجل من الاستفسار عن المعنى المقصود وأبعاده، وفي قراءة كتب التفاسير، وأيضًا في الصلاة لكي يفتح الرب الذهن، كما كان المرتِّل يتوسّل إلى الله قائلاً: "فهِّمني فأحيا.. اكشف عن عينيّ فأتأمّل عجائب من شريعتك" (مز119: 144و18).. وهنا تأتي نعمة الله لتكشف أسرار الكلمة للإنسان، كما فتح السيِّد المسيح ذهن التلاميذ ليفهموا الكُتُب (لو24: 45).. فنعمة الله تكمِّل دائمًا جهاد الإنسان.

4- يحفظ.. بمعنى أن ترتبط حياته بالكلمة؛ فيطيعها في حياته ويحفظها في سلوكه.. يضعها أمامه دائمًا، وليس خلفه، ليسير على ضوئها.. كما كان القديس أنطونيوس يقول: "في كلّ ما تقول أو تعمل، ليكُن لك شاهِد من الكتاب المقدّس".

5- يصبر.. والصبر هو أمر ضروري لنمو جذورٍ للكلمة في القلب، وبدونه لا يمكن أن يظهر الثمر.. فلا يمكن أن نتصوّر أنّ الإنسان سيصِل إلى الكمال في لحظة زراعة البذرة في أرضه، لأنّ أيّ زرع يحتاج إلى وقتٍ للنمو.. والإنجيل يعلِّمنا أن نتحلّى بطول الأناة حتّى نحصل على ما نريد، فيقول في رسالة يعقوب: "هوذا الفلاّح ينتظر ثمر الأرض الثمين، متأنِّيًا عليه حتى ينال المطر المُبَكِّر والمتأخِّر. فتأنَّوا أنتم وثبِّتوا قلوبكم" (يع5: 7و8).

6- يعطي ثمرًا.. فالثمر هو علامة الحياة، ووجوده يكشف أنّ الروح القدس حيّ فينا.. والثمر قد يكون سريعًا عندما نأخُذ مِمّا نسمعه تدريبًا بسيطًا، ونربطه بحياتنا اليوميّة، حتّى يتحوَّل إلى جزء ثابت من سلوكنا.. وقد يأخُذ وقتًا ليظهر مع دوام الصلاة والتدقيق في الفِكر والسلوك.

7- ينمو.. والنمو في الإثمار بالكلمة مفتوح إلى ما لا نهاية.. كلّ واحد بقدر أمانته واجتهاده ودرجة تفاعله مع الكلمة، وبقدر ما يُتيح للنعمة أن تعمل في حياته.. كما يقول المزمور: "الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج" (مز126: 5).. وكلمة الله ليست فقط تُغني القلب، ولكنّها أيضًا توسِّع القلب.. فعندما يتغذّى الإنسان بها ويجتهد في تنفيذها يتّسِع قلبه ويمتلئ بالحُب.. كما يقول المرتِّل في المزمور: "في طريق وصاياك سعيت، عندما وَسَّعْتَ قلبي" (مز119: 32).. وعندما ينمو في هذا الاتساع يشدو قائلاً: "لكلّ كمال رأيتُ حَدًّا أمّا وصاياك فواسعةٌ جِدًّا" (مز119: 96)..