الشبكة تتخرّق والمركب تكاد تغرق

"أَمْسَكُوا سَمَكًا كَثِيرًا جِدًّا، فَصَارَتْ شَبَكَتُهُمْ تَتَخَرَّقُ. فَأَشَارُوا إِلَى شُرَكَائِهِمُِ الَّذِينَ فِي السَّفِينَةِ الأُخْرَى أَنْ يَأْتُوا وَيُسَاعِدُوهُمْ. فَأَتَوْا وَمَلأُوا السَّفِينَتَيْنِ حَتَّى أَخَذَتَا فِي الْغَرَقِ.." (لو5: 6-7).

هناك معجزتان حدث فيهما صيد سمك كثير، الأولى قبل القيامة والثانية بعدها.. وكما يشرح القديس أغسطينوس فإنّ المعجزة الأولى توضِّح طبيعة الكنيسة الآن، بينما الثانية تُظهِر الطبيعة التي ستكون عليها الكنيسة بعد القيامة وانقضاء هذا العالم.

+ المعجزة الأولى (لوقا5) نلاحظ فيها أنّ إلقاء الشِباك لم يكُن في اتّجاه محدِّد، وتمّ اصطياد سمك كثير جدًّا، حتّى كادت الشباك تتخرّق، وتمّ وضع السَمَك في المركب الذي كاد يغرق أيضًا... بينما المعجزة الثانية (يو21): الشَبَكة تُجمَع فقط من الجانب الأيمن، والسمك كبير وعدده 153، والشباك سليمة على الرغم من كثرة السمك وكِبَر حجمه، ونلاحظ أيضًا أنّ السمك سُحِب في الشبكة إلى الشاطئ مباشرةً، والمركب لا يتعرّض للغرق..!

+ في المعجزة الأولى الشباك أُلقيت من دون تحديد اتّجاه، مثل الكنيسة الآن في الأرض تجمع من كلّ نوع ومن كلّ اتجاه، وأحيانًا يختلط الأبرار والأشرار في الكنيسة معًا.. بخلاف المُعجزة الثانية التي فيها الشبكة والسمك على الجانب اليمين، وهذا يعني أنّ الكنيسة في الدهر الآتي يوجَد فيها فقط الأبرار الذين عن يمين الملك ويستحقّون المجد الأبدي.

+ الشباك في المعجزة الأولى تتخرّق من كثرة السمك، وهذا يشير لبعض الانشقاقات والانقسامات في الكنيسة الآن.. أمّا في المعجزة الثانية فالشباك سليمة تمامًا علامةً على وحدانيّة الإيمان وسلام الكنيسة في الأبديّة..!

+ المركب في المعجزة الأولى يتعرّض للغرق، ولكنه لم يغرق.. وهذا يعني أنّ انضباط الكنيسة على الأرض يكون مهدّدًا بسبب كثرة عدد الناس الموجودين فيها وتنوّعهم.. ولكن لا ينبغي أن ننزعج فالمركب لن تغرق مهما حدث، لأن المسيح موجود فيها.. كما يقول المزمور: "اللهُ فِي وَسَطِهَا فَلَنْ تَتَزَعْزَعَ. يُعِينُهَا اللهُ عِنْدَ إِقْبَالِ الصُّبْحِ" (مز46: 5).

هذه النقطة بالذّات لنا فيها منفعة إيمانيّة كبيرة، إذ أنّ الأنواء تعصف كثيرًا بالكنيسة الآن، من الداخل ومن الخارج.. فمن الداخل يوجَد أشخاص لا يهتمّون بسلام الكنيسة ولا وحدانيّة القلب والمحبّة فيها، بل يثيرون التحزّب والإزعاج والتركيز على بعض السلبيّات مع الانتقادات الجارحة، ويعرّضون المركب للاهتزاز بشدّة.. ومن الخارج تهبّ عواصف الاضطهاد والسخرية والطعن في الإيمان ومحاولات تحطيم المركب وتدمير مَن فيها بكلّ قسوة.. ولكن عبثًا يحاول هؤلاء وأولئك.. فالمسيح موجود داخل المركب، وهو الضامن لوصولها إلى برّ الأمان وميناء الخلاص، بكلّ ما فيها ومَن فيها.. وهو لن يسمح إطلاقًا بغرقها.. بل إنّه أحيانًا يوبّخنا بحبٍّ قائلاً: "ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان" (مت8: 26).. فهو يستطيع في أي لحظة أن ينتهر العاصفة فيصير هدوء عظيم..

ربّي يسوع المسيح..

نحتاج معونتك ونعمتك ليتقوّى إيماننا..

أعطِنا أن نراك دائمًا في وسط كنيستك؛

التي تبحر وسط الأمواج العاتية، مُحمّلة بالكثير من السمك من كلّ الأنواع والأحجام،

وسط مياه هذا العالم المضطربة،

في اتّجاه شاطئ الأبديّة..

نثق دائمًا أنّك قادر،

رغم إمكانيّاتنا الضعيفة، والتحدّيات الصعبة التي نواجهها،

أن تعبر بنا في أمان إلى حيث مواضع الراحة والهدوء والاستقرار الحقيقي..

حيث الأرض الجديدة والسماء الجديدة..

حيث لا يوجَد البحر فيما بعد (رؤ21: 1)..!

اسندنا بيمينك، وقوِّ إيماننا، وثبّتنا فيك. آمين.