الكلام

بمناسبة احتفالنا بعيد أمّنا العذراء الهادئة القليلة الكلام، التي كانت تحفظ الأمور متفكّرة بها في قلبها.. عنوان مقال اليوم: الكلام

يعلّمنا سِفر الأمثال أنّ "كثرة الكلام لا تخلو من معصية، أمّا الضابط شفتيه فعاقل" (أم10: 19) فما هي أهمّيّة الكلام بوجه عام؟ وما هي خطورة كثرة الكلام؟ وكيف نضبط شفتينا؟

* أهمية الكلام:

1- به نتبرّر وبه نُدان.. كما علّمنا السيّد المسيح، أنّ "كلّ كلمة بطّالة يتكلّم بها الناس سوف يُعطون عنها حسابًا يوم الدين، لأَنَّكَ بِكَلاَمِكَ تَتَبَرَّرُ وَبِكَلاَمِكَ تُدَانُ" (مت12: 36-37).

2- يقوم اللسان بأعمال عظيمة على الرغم من صغر حجمه، مِثل دَفّة صغيرة تقود سفينة كبيرة، فالكلام يقود دفّة الحياة إمّا للسلام أو للنار (يع3).

3- الكلام يكشف عن الكنز الداخلي، أهو صالح أم شرّير.. فإنّ "اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنَ الْكَنْزِ الصَّالِحِ فِي الْقَلْب يُخْرِجُ الصَّالِحَاتِ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنَ الْكَنْزِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشُّرُورَ" (مت12: 35).

4- الكلام له تأثير على مَن حولنا بالإيجاب أو السلب.. كما أنّ الكلمة لا يمكن أن نزيلها أو نمحوها بعد أن ننطق بها..

* خطورة وأضرار كثرة الكلام:

+ كثرة الكلام تكشف عن فراغ داخلي، كما قال مار إسحق السرياني.. وقد تكشف أيضًا عن ضعف روح التلمذة، فالتلميذ يسأل ويسمع أكثر مِمّا يتكلّم. كما أنّ كثرة الكلام تكشف عن ضعف فضيلة إنكار الذات، والرغبة في الاستحواذ على الجوّ المُحيط..

+ كثرة الكلام تجعل الإنسان عُرضَة للخطأ، وقد تستهلك طاقة الإنسان بدون عمل، كما أنّها صِفة غير محبوبة من غالبيّة الناس، بل وقد تثير البعض ضدّنا..

* كيف نضبط شفتيـنا؟

+ يلزمنا أن نفكّر قليلاً قبل أن نتكلّم أو نردّ.

+ ينبغي أن نُدرِك أنّ الصمت هو لون من التعبير.. فإذا لم يعطنا الرب كلمةً فلنصمت.

+ نحتاج أن نتدرّب على انتقاء الألفاظ النقيّة الهادئة، والمُعبّرة بدقّة عن الفكرة التي بداخلنا.. وما قلّ ودلّ أفضل من كلمات كثيرة يتوه أو يتبعثر فيها المعنى!

+ من المهمّ أن ننتبه ونحذر من الاستدراج إلى أحاديث غير بنّاءة.. كما يوصينا الرسول "الْمُبَاحَثَاتُ الْغَبِيَّةُ وَالسَّخِيفَةُ اجْتَنِبْهَا، عَالِمًا أَنَّهَا تُوَلِّدُ خُصُومَاتٍ، وَعَبْدُ الرَّبِّ لاَ يَجِبُ أَنْ يُخَاصِمَ، بَلْ يَكُونُ مُتَرَفِّقًا بِالْجَمِيعِ، صَالِحًا لِلتَّعْلِيمِ، صَبُورًا عَلَى الْمَشَقَّاتِ..." (2تي2: 23-24).

* من أقوال الآباء:

+ يقول القدّيس يوحنّا الدرَجي: خير للإنسان أن يسقط من مكانٍ عالٍ، ولا يسقط من لسانه.

+ يقول القدّيس مار إسحق السرياني:

- الذي يُطلِق لسانه على الناس بالجيّد والرديء، لا يؤهَّل لنعمة الله.

- إن كنتَ لا تقدر أن تسدّ فم المتكلم عن إنسانٍ بالشر، فلا أقل من أن تحفظ فمك من مشاركته في هذا الأمر.

- إذا أردت أن تتعرّف على رجُل الله، فاستدِل عليه من سكوته.

- كما أن السحاب يحجب نور الشمس، فإنّ الكلام الكثير يبلبل النفس.

- إن كنتَ تحبّ التوبة فأحب السكوت، لأنه بدونه لن تكمل التوبة.

+ يقول القديس بيمن: مَن يُكثر من الاختلاط بالناس، لا يمكنه أن ينجو من النميمة.

+ يُحكَى عن ثلاثة شيوخ كانت لهم عادة في كلّ سنة أن يزوروا الأنبا أنطونيوس. فكان اثنان منهم يسألونه عن الأفكار وعن خلاص نفسيهما، وأما الثالث فكان يظلّ صامتًا.. وبعد عِدّة زيارات قال له الطوباوي أنطونيوس: "كلّ هذا الزمان وأنت تحضر عندي وما سألتني عن شيء" أما هو فقال له: "يكفيني النظر إلى وجهك يا أبي"!