أصوام غير مقبولة

الصوم هو ذبيحة حُبّ نقدمّها للمسيح إلهنا الذي بذل نفسه لأجلنا، وهو أيضًا تدريب روحي هام لتقوية الإرادة وضبط النفس والسموّ بها، وهو فُرصة لقمع الجسد وترويضه من أجل تغذية الروح.. ولكن مع كلّ هذه الفوائد، قد لا يستفيد البعض من الصوم، بل وأحيانًا تكون أصوامهم غير مقبولة من الله، لماذا؟! وما هي أنواع الأصوام غير المقبولة؟

يحدثنا الكتاب المقدّس عن سبعة أنواع على الأقل من الأصوام غير المقبولة:

1- أصوام مصحوبة بالخصام والظُلْم:

ففي سِفر إشعياء يعاتب بعضُ الناس اللهَ قائلين: "لماذا صُمْنا ولم تنظر؟ ذللنا أنفسنا ولم تلاحظ..؟!" فكان ردّ الله: "ها أنكم للخصومة والنزاع تصومون، ولتضربوا بلكمة الشر. لستم تصومون كما اليوم لتسميع صوتكم في العلاء.. أَمِثْل هذا يكون صومًا أختاره؟!.. هل تسمِّي هذا صومًا ويومًا مقبولاً للرب..؟!" (إش58).

2- أصوام هدفها التفاخُر والمجد الذاتي:

كما عاتب الله شعبه في سِفر زكريا قائلاً: "حين كنتم تصومون.. هل كان صيامكم لي أنا؟ وحين تأكلون وتشربون ألا تأكلون وتشربون لكم؟" (زك7)، ونبّهنا أيضًا السيّد المسيح لخطورة التفاخُر بالأصوام عندما قال: "مَتَى صُمْتُمْ فَلاَ تَكُونُوا عَابِسِينَ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ وُجُوهَهُمْ لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ صَائِمِينَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ." (مت 6).

3- أصوام يغيب عنها العطاء وأعمال الرحمة:

يرتبط العطاء ارتباطًا وثيقًا بالصوم، فأنا أقتصد مِمّا آكل لأعطي مَن ليس عنده طعام.. أوفِّر لكي أعطي ما أوفره للمحتاج، وهذا المفهوم يعطي للصوم معنى إيجابيًا.. فالصوم ليس مجرّد امتناع لكنه عطاء، وبدون العطاء لا يكتمل معنى الصوم.. كما جاء في سِفر إشعياء: "أليس هذا صومًا أختاره: حَلّ قيود الشرّ، فَكّ عُقَد النِير وإطلاق المسجونين أحرارًا وقطْع كلّ نير، أَليس أن تكسر للجائع خبزك، وأن تُدخِل المساكين التائهين إلى بيتك. إذا رأيتَ عريانًا تكسوه وأن لا تتغاضى عن لحمك.." (إش58).. ويوجَد هذا المعنى في كتابات الآباء الرسوليين: "لا تتناول يوم صيامك سوى خبزًا وماءً. ثم احسب مبلغ ما كنتَ أنفقته في ذلك اليوم على قُوْتِكَ؛ وأَعطِهِ أرملة أو يتيمًا أو مُعْوَزًا.. هكذا تحرم نفسك لكي يستفيد آخر من حرمانك. ليشبع ويسأل الربّ من أجلك" (كتاب الراعي لهرماس)، وأيضًا يصِف أحد الآباء المدافعين في القرن الثاني بعض سلوكيّات المسيحيين فيقول: "وإذا كان بينهم فقير محتاج، فإنهم يصومون يومين أو ثلاثة، ومن عادتهم أن يُرسِلوا له الطعام الذي كانوا قد أعدّوه لأنفسهم" (أرستيذس).

4- أصوام بالجسد وليسَتْ بالروح:

وهنا الصوم يكون فقط بتغيير نوعيّة الطعام، وليس فيه اهتمام بالروح أو اختلاء مع الله أو امتلاء بالنعمة، والتي هي ممارسات رئيسيّة يوصينا بها الله: "ارْجِعُوا إِلَيَّ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ، وَبِالصَّوْمِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ. وَمَزِّقُوا قُلُوبَكُمْ لاَ ثِيَابَكُمْ.. قَدِّسُوا صَوْمًا. نَادُوا بِاعْتِكَافٍ" (يوئيل2).

5- أصوام مصحوبة بالتلذُّذ بالأكل والشُرب:

وهنا كأنّ الصوم هو علاقة فقط مع الأكل وليس علاقة مع الله..!

6- أصوام ليس دافعها الأساسي الحُبّ:

كما علّمنا ربّنا يسوع أن يكون تركيزنا على علاقة الحُبّ الشخصيّة مع الآب السماوي "وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صُمْتَ فَادْهُنْ رَأْسَكَ وَاغْسِلْ وَجْهَكَ، لِكَيْ لاَ تَظْهَرَ لِلنَّاسِ صَائِمًا، بَلْ لأَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً" (مت6).

7- أصوام بلا توبة حقيقية من القلب:

كما جاء في (يوئيل ص2، وإشعياء ص58).